د. جاسر الحربش
يدور كثيراً في المجالس سؤال عن إمكانية التفاوض مع إيران لتفادي المواجهة العسكرية. لا أعتقد بوجود عربي أو إيراني عاقل يتمنى الحرب بين الطرفين، بسبب الإدراك المشترك للنتيجة الكارثية التي سوف تحل بالجميع، ما عدا ذلك الطرف الثالث الذي يتمنى هذه الحرب مراراً وتكراراً في المنطقة. المشكلة أن العقلية السياسية الإيرانية تعتقد بإمكانية الحصول على الأرض والنفوذ والهيمنة بالوكالة والعمالة، ولذلك تردد دون ملل أنها مستعدة للتفاوض، ولكن التفاوض في المفهوم الإيراني يعني لهم الانتصار، باعتبارهم دهاقنة دهاة في الشطرنج السياسي. هم لا يقلون في ذلك عن نظرائهم في الفكر الصهيوني، مع فارق القوة المالية والعسكرية والتأييد الكامل في المعسكر الغربي.
السيد ولي نصر أمريكي من أصول إيرانية يعمل مديراً لمعهد الدراسات الدولية في واشنطن وعضواً في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية وأستاذاً زائراً في معهد بروكنغ في نيويورك، وكاتباً استراتيجياً في نيويورك تايمز. هذا الأمريكي من أصول إيرانية الذي غادر إيران طفلاً وعاش كل حياته في الغرب، لكن روحه إيرانية لم تتغير مثل أغلب الإيرانيين في المهاجر، يصف في أحد كتبه العقلية التفاوضية الإيرانية كالتالي: ليس من السهولة مفاوضة الإيرانيين على الإطلاق. إنهم الأمة التي انعكست طريقة تفكيرها على فنونها الوطنية. لنفكر فقط في الطريقة الدقيقة والمتألقة التي يرسم بها الفنانون الإيرانيون منمنماتهم أو الطريقة التي ينسجون بها سجاجيدهم ومارسوها خلال القرون المتواصلة. يمكن الاستنتاج أن الإيرانيين يتحلون بالصبر الطويل والتعقيد في آن واحد. إنني أتذكر محاورة لي مع جاك سترو وزير الخارجية البريطاني السابق عن المفاوضات مع إيران. قال لي جاك سترو: إن العالم يظن أن المفاوضات مع كوريا الشمالية هي الأكثر صعوبة، لكن دعني أخبرك أن «قومك الإيرانيين» هم أكثر الأشخاص صعوبة في التفاوض. تصور أنك ترغب في شراء سيارة فتتفاوض مع البائع الإيراني شهراً كاملاً حول سعرها. بعد أن تتوصل معه إلى اتفاق وتدفع السعر تذهب لتسلم السيارة فتجدها بلا إطارات، ويقول لك البائع الإيراني: إن الإطارات لم تكن ضمن التفاوض وليست جزءاً من الصفقة، فقد تفاوضنا على السيارة وليس على الإطارات. تبدأ معه التفاوض ثم التفاوض مرة بعد أخرى على كل برغي وقطعة في السيارة. إن هذا يا سيد ولي نصر يعطيك فكرة عن طريقة الإيرانيين في التفاوض (انتهى).
التعليق: الحرب بين العرب والإيرانيين مكلفة ومنهكة للطرفين، والحوار قد يكون مضيعة للوقت خصوصاً مع الحكومة الإيرانية الحالية. الرهان المعقول الوحيد يبقى على حقيقة أن إيران الحالية دولة فاشلة اقتصادياً وتنموياً وشعبيتها الداخلية تتآكل أمام أجيال الإيرانيين الشباب التواق لكسر العزلة والتعايش مع العالم بإمكاناته الحضارية، فمسألة تآكلها في الداخل مسألة وقت.
ولكن يبقى احتمال الحرب الدفاعية الكبرى المفروضة على العرب في حالة ارتكاب الحكومة الإيرانية خطر الهروب إلى الإمام بشن الهجوم على جوارها العربي الذي لم تدخل دياره بعد، كمحاولة أخيرة لترميم اهترائها الداخلي، وعندئذ لا تنفع مهارات التفاوض وإنما الجاهزية والاحترافية العسكرية وصدق الولاء الوطني، وبهذه النقاط الثلاث يكسب العرب.