د.عبدالله بن موسى الطاير
كل الكلمات التي تقال عن وضع المسلمين الروهينجيا -وأنا أكتب هذه المقالة من دكا عاصمة بنجلاديش- ليست كافية لنقل المعنى الحقيقي لمعاناتهم، وكل الصور الثابتة والمتحركة ما هي إلا تغطيات مجتزأة لا تعكس حقيقة العذاب الذي تعرضوا له في ميانمار والمهجر. يكفي مثال واحد لاستحضار معنى الألم الحقيقي عندما ينتزع ابنك من يدك ويرمى في النار أمامك ليتحول إلى رماد. هذه ليست مبالغات وليس كل الحقيقة وإنما مجرد عينة من مشهد أكثر فظاعة.
وبالقدر الذي أسهمت شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الحديث في نقل جوانب من هذه الأزمة فإن الطبيعة الترفيهية للنقل التلفزيوني جعلت من هذه المأساة ملهاة تعرض علينا ونحن نتنقل بين دموع أم مكلومة في مخيمات النازحين تبكي دما أسرة كاملة أعدمت أمام عينيها، وبين دموع أخرى لممثلة في سلسلة حلقات ترفيهية تصنف ضمن برامج التسلية. لم نعد نفرق بين الدموع والأوجاع الحقيقية وتلك الدموع المزورة التي تستدر مشاعرنا لنتسمر مشدودين أمام الشاشة الصغيرة في الفترة الترفيهية التي يمولها المعلن التجاري.
بغض النظر عن دينهم، وخلفيات الروهينجيا العرقية، وقضاياهم السياسية، فإن ما تعرضوا له هو وصمة عار في جبين إنسانية تتشدق بحقوق الإنسان وتمنح القائمة على هذه الفظاعات جائزة نوبل للسلام، وكأنها رخصة للقتل. تسكيت الضمير الإنساني من خلال حملات الإغاثة مع أهميتها ليس حلا للمشكلة ولا يطفئ ألم المعاناة، ولا يوجد معالجات جذرية للمشكلة التي تتفاقم ونتعامل مع أعراضها الظاهرة فقط. بل إن الدول التي تتحمل مسؤولية إدارة النظام العالمي أمام استحقاق مبدئي لا يمكن أن يغفره التاريخ. فالصين وأمريكا وروسيا والاتحاد الأوربي قادرة على فرض حلول سياسية جذرية على حكومة ميانمار، لكنها لا تفعل.
وتسألونني عن الدول الإسلامية، ومنظمة التعاون الإسلامي وعن دورها، فأقول إنه من الظلم أيضا أن نحمل دولا هي مسرح لنماذج من معاناة الإنسان في القرن الواحد والعشرين مسؤولية عذاب الإنسان فيها. ومع ذلك فإن هذه الدول تتحرك إغاثيا وسياسيا وتجد صدودا من القوى التي بيدها فرض الحلول.
لقد أبانت إحصاءات مركز الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية «سيسرك» التابع لمنظمة التعاون الإسلامي أن 61.5% من تعداد المهجّرين في جميع أنحاء العالم الذين يقدّر عددهم بأكثر من 25 مليون شخص هم من الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، و67% من اللاجئين هم أيضاً في الدول الأعضاء بالمنظمة، بالإضافة إلى 71% من الأشخاص في جميع أنحاء العالم من الذين يحتاجون إلى مساعدات ضرورية ويبلغ عددهم 89 مليون شخص، يقيمون كذلك في الدول الأعضاء بالمنظمة، وتستضيف سبع دول إسلامية من بين أكثر عشر دول في العالم الحصة الأكبر من المشردين. ومع كل هذا ما زالت هذه الدول تعمل وتواجه هذه الأقدار بما تتيحه ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من حركة.
الحديث عن مؤامرة أيا كان مصدرها على الأمة الإسلامية لا يصلح أن يصدر مني إذا أردت أن أكون «مثقفا»، ولكن يمكنني أن أقول بأنه لا كاشف لما يشهده عالمنا الإسلامي من محن وكوارث ومصائب متلاحقة لا تستثني أحدا إلا الله ثم تنمية الإنسان. كل الحلول وهم، إذا لم يكن لدينا إنسان مؤهل علميا في تفكيره ومهاراته، وفاعل إيجابيا في تصرفاته. ولذلك فإنني وبكل ثقة ألقي بهذه المسؤولية على أكتاف المعلمين في العالم الإسلامي. لا أسألهم عما مضى ولكن التاريخ سوف يحاسبهم على ما هو آت، وتذكروا أنه لا يوجد بلد لديه حصانة من أن يكون غدا ضمن الإحصاءات السابقة. والله غالب على أمره.