عمر إبراهيم الرشيد
يقول أبو الهندسة والعالم الرياضي الإغريقي إقليدس «الخط هندسة روحية»، ويقول عبدالله بن عباس رضي الله عنه «الخط الجميل يزيد الحق وضوحاً». أما الروائي والفيلسفوف الألماني غوته (توفي 1832 م) فيقول عن الخط العربي تحديداً: «ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية، إنه تناسق غريب في ظل جسد واحد».
هناك إجلال ممزوج بعشق متأصل في وجدان العربي والمسلم والناطق بلسان الضاد للخط العربي، جماله ووضوحه، مدارسه وفنونه، ولا أدل على رفعة الذوق والإحساس الجمالي لدى من يتميزون بجمال الخط اليدوي، بل وتضاف إلى تلك الصفات سمة الحصافة وتناسق التفكير. ولا أجمل من أن تستضيف طيبة الطيبة بجمالها الروحي ومكانتها ملتقى الخط العربي، فكان جمال الحدث مع عراقة وهيبة المكان. فالشكر موصول لإمارة المنطقة وهيئتها العليا تقديراً وعرفاناً على هذا الملتقى الذي طال انتظاره. ما زال الحديث ومنذ سنوات عدة خلت، عن فقدان نسبة من الجيل الناشئ والشاب لمهارة الكتابة اليدوية إملاءً ودعك من استقامة وجمال الخط، والأسباب عديدة بالطبع ولا يبرأ التعليم منها، لكن الارتماء إلى وسائط التقنية والأجهزة اللوحية هو ما عمق المشكلة، حتى بدأت تقارير صحفية تظهر أن التعامل اليدوي مع القلم ومجرد الإمساك به عمل ثقيل بالنسبة للنشء. وكنت قد كتبت هنا سابقًا عن إعادة عدة ولايات أمريكية لمادة الكتابة في التعليم العام، وليس في الأمر انبهار لأنه في أمريكا، إنما كون هذا يحدث في بلد يعد المصدر الأول للتقنية في العالم، وأسلوب الحياة الأمريكية المعتمد على التقنية والأجهزة بشكل كبير، ويعيد الاعتبار لمادة الخط اليدوي فهذا بالتأكيد يدعو للإعجاب ويثير تساؤلا عن وضع مادة الكتابة في تعليمنا العام وحتى الجامعي، كوسيلة لتنمية الذكاء العام وليس اللغوي فقط.
هذا الملتقى الحضاري الذي يؤكد مكانة الخط والقلم على السواء، يعطي رسالة طمأنة هي غاية في الجمال والرقي. والأجمل إقرار عقد هذا الملتقى سنوياً، مع تأسيس مركز يعنى بهذا الجانب اللغوي الثقافي والحضاري الأصيل ليكون هذا إسهاما لخدمة لغتنا ومن ثم حضارتنا العربية والإسلامية. والأمر الهام كذلك، ولعل هذا المركز يأخذه على عاتقه، عقد دورات تدريبية للخط العربي ومهارات الكتابة اليدوية، ودعوة البارزين في هذا الفن والمختصين لتشكيل فروع لهذا الملتقى وهذا المركز في مدن المملكة لإعادة الاعتبار لجانب لغوي وثقافي في غاية الأهمية والخطورة، إذا أهمل بداعي أن التقنية تغني عن الكتابة اليدوية، ولعقد دورات وورش تدريبية لتحسين الخط وإتقان فنونه للراغبين من عرب وعجم وما أكثرهم. وقبل الختام أقول، لا تنسيكم هذه التقنية القلم والورق، واكتبوا ما يعن في خواطركم قل أو كثر، وانظروا كيف تتسق الحروف مع ما يعتمل في نفوسكم من مشاعر وعقولكم من أفكار. إلى اللقاء.