ياسر صالح البهيجان
ثمة خلط مريع لدى شريحة واسعة تضم فئات من العامة والنخب المثقفة على حد سواء بين حرية التعبير وحرية التحريض، وذلك اللبس أنتج نوعًا من الاعتقاد بأنهما شيء واحد، وقد يدافع البعض عنهما سويًا بوصفهم حق مشروع لكل إنسان في إطار المجتمعات المدنية.
البون الشاسع بين الحريتين يتمظهر في مآلات كل منهما، حرية التعبير تأتي بوصفها سلوك قويم يهدف إلى تحقيق المصالح العليا دون الإخلال بالأمن والسلامة المجتمعية، ويمثل نموذجًا حضاريًا يمارس من خلاله الفرد دوره في تطوير مجتمعه وتصحيح الأخطاء أيًا كانت الجهة المخطئة.
أما حرية التحريض فهي ذات بعد عدمي هادم يجدف عكس المصالح الوطنية ويسعى إلى إثارة البلبلة وشق الصف الواحد ليس له غاية سوى بث الفرقة والنزاعات، ومن هنا تكمن خطورته.
مفهوم التحريض وتحريك القوى الناعمة في المجتمعات الحديثة ليس سلوكًا فرديًا أو عفويًا، وإنما يأخذ شكل الطابور الخامس ويعد أحد أساليب تفتيت المجتمعات وفق أجندات خارجيّة ذات أهداف سياسية واقتصادية في المقام الأول، ومن هذا المنطلق لا يمكن للحكومات غض الطرف عنه أو التسامح حياله لما يمثله من تهديد صريح للأمن القومي وسلامة المجتمع من الانزلات نحو آفة الاقتتال والتناحر والحروب الأهلية.
كما أن حرية التحريض جزء من الحرية غير المسؤولة أي تلك الحرية ذات الطابع البهيمي واللا إنساني، إن علمنا بأن الإنسان العاقل لا يمكن أن يقدم على فعل من شأنه تقويض أمنه واستقرار مجتمعه، وهو ما يجعلنا إما حالة من الارتزاق الفكري ونمط من أنماط اللا وطنية ما دامت الوطنية تعني تقديم مصالح الوطن على أي مصلحة أخرى وإن كانت شخصية فضلاً عن مصالح الدول المعادية.
والحق إن مفهوم حرية التعبير أصبح أكثر تفلتًا في ظل تعدد منصات تداول الرسائل التحريضية مع بروز شبكات التواصل الاجتماعي، ما فرض على الحكومات ضرورة اتخاذ تدابير رقابية أكثر صرامة، ليس بهدف تكميم الأفواه وإنما لتضييق الخناق على المحرضين، وتوعية المجتمعات بخطورة أفكارهم وما تحمله من أجندات تقويضية.