«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
في تلك الليلة كان جميع أفراد أسرة أبي عيسى في شوق عظيم لحضور عبد الرحمن الذي يعمل في شركة النفط كهربائياً. وخلال عودته لمدينته الصغيرة في يومي العطلة الأسبوعية كان جميع أهالي المدينة يتراكضون على منزله حتى يقوم بأعمال تمديدات أسلاك الكهرباء في بيوتهم بعدما بدأت الشركة التي أسهم مجموعة من أثرياء المنطقة في تأسيسها. وبات الطلب على الاشتراك في خدمات الشركة لافتاً وبأعداد مشتركين فاق التوقعات، بل إن الشركة نفسها وفي البدايات كانت في حرج كبير لتأخرها في تنفيذ طلبات إيصال الخطوط لمختلف أحياء مدن المنطقة. كان بيت أبي عيسى محظوظاً فلقد تم إيصال التيار للبيت منذ عدة أيام وباقي أن ينعم سكانه بالهواء العليل في هذا الصيف الحار، فلم يتردد أبوعيسى في شراء ثلاثة «بانكات» وما زالت موجودة في «المجلس» في انتظار المهندس عبد الرحمن حتى يقوم بتركيبها في المجلس وغرفة «المربعة» وغرفة نومه، لكن الوقت يمضي سريعاً وها هي صلاة العشاء انتهت ولم يحضر المهندس ولم يتردد أن يسأل جاره أبا فهد إذا كان يعرف أحداً يستطيع تركيب «البانكة» فعبد الرحمن يبدو أنه تأخر عن الموعد. فرد عليه أبوفهد: زين أنك سألت عنه لا أعتقد أنه سوف يحضر لبيتكم الليلة. لقد شاهدته قبل المغرب حاملاً صندوق «عدته» ومعه ابنه ناصر متجهين إلى حي «العيوني» يقول كلف بتركيب «بانكات» في مسجد الحي، علشان الشهر الكريم «رمضان» على الأبواب والمسجد بحاجة «للبانكات».
وأضاف أبوفهد أعتقد أنه فضل تركيب بانكات المسجد الليلة عن تركيب «بانكات» بيتكم. وبصراحة تراه معذور. خدمة المسجد وفي هذه الأيام الفضيلة أبرك.! فهز أبوعيسى رأسه طبعاً طبعاً ايش جاب لجاب.
وأضاف وهو يربت على كتف أبي فهد لا أحد يشكك في أهمية المسجد والفوز بخدمته وتفضيله، لكن يا ليته «خبرني» العيال في شوق لبراد «البانكات» وتصدق رايحين جايين على المجلس يطالعونها ويتحسسون ريشها البيضاء. وكل جزء فيها العمود و»دبة الماطور». فالتفت إليه أبوفهد وقال: «يعني أهلك صابرين عمر على براد «المهاف» ما يصبرون كم ساعة حتى يحضر لكم المهندس». أثارته لهجة جاره شعر فيها بنبرة السخرية و»الطنازه» ورد عليه: الله يا الدنيا نسينا ما كلينا. كلنا عشنا و»تهففنا بالمهاف الخوصية» لكن كل وقت ما يستحي من وقته. هذا وقت «الكهرب» و»البانكات» ومن حق الأهل يشتاقون لها. فجأة جاء ابن جارهم الآخر محمد راكضاً وهو ينادي بصوت مرتفع: عمي بوعيسى.. عمي بوعيسى يقولك المهندس عبد الرحمن اطمئن «بيجيكم» وإن شاء الله «البانكات» راكبة في بيتكم الليلة.. فتبسم أبوعيسى سعيداً ولم يتردد أن مد يده لجيبه وأخرج منه ريالاً وأعطاه محمد وهو يقول له: الله يبشرك بالخير يا ولدي. وسلم لي على الوالد.. ففي بيت أبوعيسى وفي جلسة «السطح» كان جميع أفراد أسرته الزوجة والأبناء والبنات يتناظرون ويتبادلون الأحاديث لكن يخيم على المكان قلق خفيف أشبه بالنسيم الذي يداعب وجوههم. فهذا الابن سعد يصعد على كرسي «المصاخن» بين فترة وأخرى لينظر من فوق جدار السطح لباب بيتهم هل وصل المهندس.. وأخته سارة تواصل حديثها مع والدتها عن روعة «البانكات» وأنواعها وكيف شاهدت في بيت خالتها «بانكة» توضع على طاولة وبالإمكان نقلها من مكان لمكان. وتتمنى أن يشتري والدها أكثر من «بانكة» مثلها بعد ما يبيع تمر «الصرام» هاالسنة طالبة من والدتها أن تؤكد على والدها ضرورة الشراء. فجأة صرخ الابن سعد: أبشركم وصل المهندس قام الجميع، وكاد سعد أن يسقط من كرسي «المصاخن» خلال نزوله منه ليركض نازلاً من درج السطح ليفتح الباب للقادم المنتظر. ولكن كان والده قبله ينتظره عند الباب.. وخلال ساعة أو أقل قليلاً تم تركيب «البانكات» الثلاث في بيت أبوعيسى. وكانت ليلة صيفية لا تنسى ولم يذهب المهندس إلا بعد أن أصر عليه أبوعيسى أن يتعشى معهم: تذكر ذلك عندما جاء ذكر «البانكة» في سؤال لواحدة من حفيداته عندما سألته: جدي ما معنى «البانكة» لقد سمعتها اليوم في مسلسل خليجي؟ فقلت لها: إنها تعني «المروحة» أكانت سقفية تعلق بالسقف أو التي لها قاعدة. وهذه الكلمة «البانكة» أيضاً معروفة بهذا الاسم في اهند وحتى بعض دول شرق آسيا؟!