د. محمد عبدالله الخازم
أقرَّ مجلس الوزراء البدء في تأسيس المرحلة الأولى من المدارس المستقلة، وأحسن صنعًا ببدء التجربة في مدارس محدودة ريثما تنضج التجربة. مفهوم المدارس المستقلة يطبَّق في دول كثيرة، وله إيجابيات كبيرة متى ما طُبِّق بشكل سليم. وهي تتنوع بين خاصة ربحية، أو غير ربحية تؤسسها أو تديرها في الغالب مجموعات أو أفراد لهم علاقة بالتعليم، أو لهم هدف محدد من التعليم.. مثال: المنتمون لجنسية أو دين، ويرغبون في تأسيس مدرسة لها علاقة بدينهم أو جنسيتهم. وفي بعض الدول تتفوق تلك المدارس في الأداء على المدارس الحكومية التقليدية.
لم تتضح الصورة بعد حول النموذج السعودي، لكن بصفة عامة نظام المدارس المستقلة يتجاوز مجرد منح المدرسة ميزانية مستقلة إلى تغييرات عديدة في هيكل المدرسة والتعليم. ولفهم ذلك نحتاج إلى الإجابة عن أسئلة عدة، منها ما يأتي:-
1. نوعية المدرسة كمؤسسة هل ستكون ربحية أم غير ربحية؟ أم ستبقى حكومية مع اختلاف في طريقة التشغيل فقط، أم لا؟
2. آلية تكوين التكتلات التعليمية التي ستديرها.. هل سيُسمح بتكوين مجموعات تعليمية من الخبراء والمهتمين لتقديم طلباتهم نحو تمكينهم من إدارة المدارس المستقلة؟ أم ستكون مناقصة للقطاع الخاص؟ هل يحق للأفراد التقدم لإدارة مدرسة مستقلة؟ هل يحق للقطاع الخاص التعليمي الراهن المنافسة على إدارة المدارس المستقلة؟
3. آلية اختيار إدارة المدرسة والتوظيف هل ستكون بالتعيين عن طريق الوزارة أم هي صلاحيات المنظمة أو المؤسسة التي تدير المدرسة؟
4. طبيعة التمويل الحكومي هل تكون مدعومة أم غير مدعومة؟ كم حجم الدعم؟ وما معايير الدعم وآلياته وحجمه؟ هل سيوجه الدعم للمدرسة أم للآباء والطلاب عن طريق شراء الخدمة والسندات الدراسية؟
5. طبيعة المناهج ما هي مساحة الإبداع المتاحة فيها؟ هل ستطبِّق المدارس المستقلة المنهج الحكومي بالكامل أم بشكل جزئي؟ هل ستتغير آليات مناهج التعليم لتتفق مع مفهوم ترك مساحة من الإبداع، كأن تتحول إلى مناهج مبنية على الأهداف والمهارات لا المقررات؟
6. طبيعة الحوكمة والمراقبة.. في حال استمرت الملكية للدولة أو انتقلت للمنظمة الربحية أو غير الربحية، كيف سيتم إدارة ومراقبة المدرسة المستقلة؟ وما هي المعايير المحاسبية والأكاديمية التي ستطبَّق؟
المدارس المستقلة يُفترض أن تملك مرونة ومساحة كافية من الاستقلالية للتطوير والتجريب، وبخاصة غير الربحية. التجربة لدينا جديدة كمفهوم، ولن يكون الأمر سهلاً لتطبيقها بشكل يضمن أفضل النتائج المرجوة منها، وخصوصًا أننا نزرع نموذجًا في بيئة تشريعية وإدارية ليست واضحة بشكل كبير، سواء فيما يتعلق بمرونة النظام المالي أو نظام المؤسسات غير الربحية الغائب في تشريعاتنا، أو غير ذلك من الأنظمة... إلخ.
على كل حال، أبارك لوزارة التعليم هذا التوجه لتنويع أنماط التعليم لدينا، وهي فرصة تاريخية نحو تأسيس نموذج تعليمي مختلف، نرجو أن يكون فيه التميز. وأختم بأن التعليم مشروع، يتطلب مؤازرة مجتمعية وسياسية وإعلامية. ولكي يحظى مشروع المدارس المستقلة بالدعم هناك حاجة إلى مزيد من الشرح حول مكوناته، والإجابة عن أسئلته.. فلنبدأ بنشرة تعريفية حول مفهوم المدرسة المستقلة، وورش عمل للمهتمين والمعنيين لطرح ومناقشة مختلف التفاصيل.