«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
التخصيص لم يعد بمفهومه المتداول بيع القطاع العام كما كان في الماضي، أو نقل الملكية من الحكومة إلى القطاع الخاص، فهذه النظرة الضيقة لم تعد موجودة، وإنما تطور التخصيص ليصبح نوعاً من الشراكة مع القطاع الخاص في إدارة الكيان الحكومي كشركة قطاع أعمال أو كشركة خاصة.
فكل المخاوف التي تتولد عن التخصيص كانت تنتج عن الشكل التقليدي له، ببيع منشأة حكومية وتحويلها إلى شركة قطاع خاص، وهنا يتوقع أن ينجم عنها خلخلة في النظام الإداري، بحيث يتم غالباً الاستغناء عن نسبة كبيرة من موظفي الشركة، وربما يتم التفاضل بين جنسيات هذه العمالة لصالح عمالة أجنبية رخيصة، فضلاً عن تقليص كبير في الأجور والرواتب، وربما التأثير السلبي الأهم، هو بيع السلعة أو الخدمة بأسعار مبالغ فيها، نتيجة أن هذه الشركة تعد محتكراً لخدمة وحيدة بلا منافس غالباً عندما نتحدث عن قطاع المياه أو الكهرباء أو الصرف أو الاتصالات أو غيرها.
كل المخاوف لم تعد موجودة بالقدر الذي كانت به في السابق، لسبب وحيد أن الحكومة السعودية لم تعد تبحث عن بيع هذه الجهات الحكومية، وإنما أصبحت تسعى إلى تحفيز شراكات مع القطاع الخاص تقوم على وجود الحكومة كمشرف ومراقب، لأنها لا تزال هي المالك أو الشريك لجزء مهم في ملكية هذه الشركات الخاصة الجديدة. يتحول الوضع إلى وضع أشبه بقيام الحكومة باستدعاء مشغل نشط وكفؤ يمتلك الخبرات في النشاط وليس تحويل ملكية الجهة الحكومية.
لماذا التخصيص الآن؟
يعد التخصيص أسلوباً اقتصادياً متاحاً لتخلي الدولة عن بعض الأنشطة التي تمثل إنفاقاً متكرراً على قطاعات خدمية أو إنتاجية تمس قطاعات أو شرائح عريضة من المواطنين، حيث تسعى الدولة إلى خصخصتها وتحويلها إلى القطاع الخاص ليديرها حسب قواعد التكلفة والعائد ، بحيث يتم رفع حملها عن كاهل ميزانية الدولة في سياق خطط اقتصادية جديدة تستهدف مواجهة تراجع الإيرادات النفطية.
شراكة وليس بيعاً
تتدرج عمليات التخصيص بين البيع الجزئي إلى الشراكة، وقد تكون عبارة عن إعادة هيكلة قانونية بلا تخصيص حقيقي ولكن إدارة بأسلوب القطاع الخاص، والأخير يعد شكلاً نموذجياً للإدارة الحكومية في شكل تبني ثقافة التخصيص، بحيث يتم تجهيز وتهيئة المنشآت لمرحلة لاحقة كبيع جزئي أو شراكة كاملة مع القطاع الخاص.
وتحتاج جميع المنشآت إلى إعادة هيكلة بحيث تعطي للدولة ميزة نسبية تتمثل في احتفاظ الدولة بملكية وتشغيل وصيانة المنشأة، مع إدخال تغييرات مستمرة وثابتة في بيئة المنشأة وتنظيمها وفي سياسة الاستعانة بالموارد البشرية، والبعد عن البيروقراطية التقليدية اتجاهاً نحو أساليب القطاع الخاص الإدارية، ويبرز ذلك في القدرة على توسيع الصلاحيات واتخاذ القرار وتنفيذه على المستويات الإدارية الدنيا ومراقبة ذلك لجعله عملية سهلة وسلسة وناجحة. وتتيح هذه الهيكلة للدولة مرونة هائلة في توفر أساليب إدارية وتمويلية جديدة لا تكلف الدولة مالكة المنشأة نفقات رأسمالية كبيرة، باستخدام أساليب تخصيص غير تقليدية مثل عقود الامتياز أو عقود البناء -التملك-التشغيل (Boo) أو عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص (Public-Private Partnership-PPP).
هيكلة على قدم وساق
ما يحدث في المملكة من حراك هو عبارة عن هيكلة وتجهيز للتخصيص هدفها رعاية مصالح كافة المستفيدين وضمان ورفع مستوى عدالة التعاملات مع القطاع الخاص، فضلاً عن التهيئة لفرض رقابة أكبر على مقدمي الخدمات بما يكفل حصول المستفيدين على أفضل الخدمات، حيث ستركز الجهات الحكومية المعنية على دورها التنظيمي والرقابي بكفاءة أعلى. فضلاً عن هدف أهم هو تشجيع رأس المال المحلي والأجنبي للاستثمار محلياً، إلى جانب عمل البرنامج على زيادة المنافسة وتعزيز دور القطاع الخاص.
مهمة شائكة للمركز الوطني للتخصيص
يلعب المركز الوطني للتخصيص دوراً مهماً الآن في تهيئة المنشآت الحكومية للتخصيص، وإعدادها بشكل يضمن عدة معايير، أهمها الحفاظ على العمالة، وضمان تقديمها للجمهور العام بأسعار مناسبة، وعدم سريان قواعد الاحتكار على خدمة لا يوجد فيها منافسون أساساً. وتزداد أهمية وحساسية الدور الذي يلعبه المركز عندما نعلم أننا نتحدث عن قطاعات حيوية للدولة وللمواطن كقطاعات الموانئ والتعليم والصحة والطاقة والصناعة والثروة المعدنية إلى جانب البيئة والمياه والزراعة والاتصالات وتقنية المعلومات والعمل والتنمية الاجتماعية والرياضة هذه القطاعات حساسة من عدة نواحٍ:
أولاً: أنها تقدم خدمات حيوية وفي كثير من الأحيان مجانية أو مدعومة للمواطن. والسؤال كيف ستكون بعد البيع الجزئي أو الشراكة أسعارها؟
ثانياً: أنها قطاعات ضخمة ومترابطة بين المناطق وتشرف عليها جهة مركزية واحدة، فهل سيتم تخصيصها كتلة واحدة أم سيتم تجزئتها إلى منشآت متوسطة الحجم، يسهل على القطاع الخاص شراؤها أو الشراكة فيها جزئياً.
ثالثاً: هذه القطاعات كثيفة العمالة الوطنية، فكيف سيتم التعامل معها، خاصة أن تبني معايير الإدارة الربحية الخاصة فيها، يتطلب تقليص حجم العمالة فيها؟
رابعاً: أن فشل هذه الجهات إدارياً لأي سبب كان يجعل الدولة تتمسك بها إلى آخر نفس كمنشأة حكومية، ولكن في معطيات الشراكة الجديدة مع القطاع الخاص، ستظهر معايير جديدة محتملة، مثل الإدارة التجارية، التي تتجه لإيقاف النشاط وربما إعلان الإفلاس عند مراحل معينة، فهل سيكون ذلك متاحاً؟ كإفلاس وتصفية.
خامساً: ما مدى قبول القطاع الخاص لنسب ربحية محددة في حدود 5 % أو10 % بحد أقصى تفرض على أنشطة لم يكن بعضها يباع بربحية أساساً.
سادساً: من سيتحمل نفقات صيانة الشبكات الرئيسة، وهو الجزء بلا عائد حقيقي، أو من سيتحمل نفقات تقديم بعض الخدمات التي لطالما كانت تتحملها الدولة من قبل. فكل الخدمات الإنتاجية يسهل تخصيصها، ولكن يصعب تخصيص خدمات الصيانة لها غالباً.
التخصيص الذكي كتجربة سعودية رائدة.
تتجه الدولة لإدارة تخصيص ذكي، باختيار القطاعات والأنشطة التي يتم بيعها بالكامل أو الأنشطة التي يتم بيعها جزئياً، أو تلك الأنشطة التي تطبق عليها الشراكة مع القطاع الخاص.