درسني الأستاذ الدكتور محمد الصامل يافعا في العشرين، وأشرف على رئاستي للجنة تطوير الكلية ومساراتها ومقرراتها الجديدة في الخمسين، وفي تجاويف الثلاثين سنة تكمن الحكاية.
في نظري أن الذي جعل الدكتور محمد الصامل بهذا التأثير القيادي فيمن حوله هو ما يمكن أن أسميه قيادة القيم والمبادئ، وهذا النوع من القيادة في نظري يعطي تعليلاً لمن قد يسأل : ماذا فعل بكم الدكتور محمد الصامل ؟ ولماذا هو بالذات من بين أساتذتكم الآخرين ؟. إنهم يتوقعون فقط غزارة علم وسعة اطلاع وعمق تحليل واستنباط وإعجاب طالب بأستاذه، وفي الحقيقة ليس هذا هو المحور الفعال والأبرز – وإن كان موجودا بقوة - في علاقتي بالدكتور محمد الصامل، بل الأمر الخفي لديه – حفظه الله - في «قيادة القيم» التي تتغلغل في النفوس وتتمكن منها وتصنعها وليس فقط تؤثر فيها، حتى وإن قصر الزمن، فما تظنون بشاب في العشرين يتلقاها بشكل مستمر حتى صار كهلاً ... يهتز لها... وينتعش بقشعريرة الفخر والطموح وهو يسمع ما يقال له... يشعر بكل ذلك يدخل إلى أعماقه ... فتتحول الكلمات إلى روح حية متوهجة تغذي مواقفه وتصنع خبراته ومبادئه.
لقد تشكلت شخصيتي العلمية في الماجستير وما قبلها على عدد من القيم التي كان الدكتور محمد مصدرها الوحيد بالنسبة لي؛ فالنزاهة، وحب العمل، والاستمتاع بالعلم وطلبه والتفاني فيه، ومن قبل ذلك نوعية النظرة للنجاح والتفوق وتحقيق الطموح وما يصاحب ذلك من تحفيز وإشعال للهمة، وتذكير بأهمية الرقابة الذاتية، والحرص على المصلحة العامة، كل ذلك - مما تعلمته من قيم العمل والبحث العلمي - أثّر كثيرا في تكويني العلمي، وفي إداركي لطبيعة المشاكل المختلفة والمواقف وكيفية التعامل معها وتقديم الحلول لها.
ولا أبالغ إذا قلت بأن «قيادة القيم» عند الدكتور محمد الصامل - حفظه الله – حولتني ومعي الكثير من طلابٍ عنده إلى أتباع.
وحينما رجعت من بريطانيا بالدكتوراه، للعمل أستاذاً في القسم بدأ نوع جديد من «قيادة القيم» يتمثل في إعادة البناء، فجاء الحرص على ضبط بوصلة العمل العلمي والتدريسي ودقة التوجه العلمي وصحته، وكان يجعل من إبراز المصلحة الذاتية (العلمية أو الإدارية) – وهي غريزة بشرية أحسن توظيفها بامتياز – وسيلةً للتحفيز للعمل من أجل المصلحة الأكبر للتخصص والعمل له وخدمته.
وبعد أن بدأت العمل في رئاسة لجنة تطوير الكلية – وكان عميدها - واتّضح بعد خروج نتائج الدراسة الميدانية التي أشرف عليها بنفسه أن الكلية بحاجة إلى مسارات مختلفة تردم الفجوة بين تخصص اللغة والتخصصات الأخرى، وتخدم الطلاب وتسدّ حاجة في سوق العمل- برز لديه – حفظه الله – بالإضافة إلى الدعم الكامل والتحفيز المتواصل للانتهاء من التأسيس العلمي للمقررات الجديدة وتوصيفها وتحكيمها – قيمُ مرحلة التغيير التي تقوم أولاً على إعطاء الثقة للعاملين في اللجنة، وتعزيز تحمل المسؤولية لديهم، ثم الاهتمام بتحديد هوية الكلية ووجهتها، وأهدافها الإستراتيجية، والقيم التي يجب أن تزرعها الخطة الجديدة بين منسوبي الكلية من الأساتذة والطلاب علمياً ومهارياً. وما كان يفتأ يكرر أن العمل لأجل لغة القرآن الكريم وخدمتها وتعزيز أهميتها في قلوب الأجيال أمر عظيم ومبدأ شريف؛ خدمة لهذه الأمة وتراثها ولغتها، ولهوية الوطن ورجاله ورسالته الإسلامية الخالدة.
كل ذلك التكوين من «القيم والمبادئ» كان خاصاً بالعمل والبحث العلمي، أما الجوانب الشخصية والرعاية الأبوية ومتابعة الأحوال الخاصة والسؤال عنها، خاصة في آخر خمس سنوات من عمله فعالم آخر يحتاج إلى وقفة جديدة. لقد قامت تلك القيم بمهمة كبيرة في صنع جاذبية «غير مفسرة» عند الذين لم يتتلمذوا على الدكتور محمد الصامل أو يخالطوه أو يعملوا معه.
أسأل الله تعالى لأستاذي الدكتور محمد الصامل الصحة والعافية والبركة في العمر والمال والولد، وأن يجزيه خير الجزاء على ما عمل لنا طوال سنوات عمله في الكلية إنه سميع مجيب.
** **
- أ. د. عبدالله بن محمد المفلح