د. عبدالحق عزوزي
بمتابعة الشأن الإيراني الداخلي، ومطالعة ما تسطره إستراتيجيتهم، نفهم جليا أن الإيرانيين يفرقون بين الجيوبوليتيك الشيعي والهلال الشيعي، مصفقين للأول، رافضين للثاني، باعتباره شيطنة من نتاج ما يسمى بأعداء الثورة الإيرانية؛ فتصدير الثورة عندهم لا يجب أن تتوقف في مصر أو قطر بل هي عالمية، فهي في نظرهم يجب أن تجمع دول العالم الإسلامي كافة وأن يكون لها أتباع ومريدون وموالون حتى النخاع، حتى لو أن هؤلاء لا يؤمنون في البداية بإيديولوجيتهم، المهم أنهم مستضعفون في نظرهم وسيوالونهم بفضل دعمهم المالي والعسكري والتدريب طال الزمان أم قصر؛ ولذلك نرى مثلا أنها تدعم جماعات سنية مثل حماس «التي تعارض الظلم والاستبداد... وما فعلته إيران عبر أداتها تنظيم حزب الله، بتدريب ما يسمى بجبهة البولسياريو الانفصالية، وإمدادها بالسلاح وتدريبها على عمليات حرب الشوارع لزعزعة الأمن في المملكة المغربية خير مثال لذلك، وهو ما جعل المغرب يقطع في الأيام الأخيرة علاقاته الدبلوماسية مع إيران للمرة الثانية.
ولا غرو أنه لم يعد يخفى على أي متتبع للشأن الإيراني أن «الحرس الثوري» المنبثق من «اللجان الثورية» هو جهاز عسكري خطير لا يخضع للقواعد العسكرية المتعارف عليها دوليا؛ فهو مواز للجيش ويخضع خضوعا مطلقا لإيديولوجية الثورة والتوجيهات العليا للدفاع عن خط القائد داخل إيران وخارجها والدفاع عن المستضعفين في الأرض أينما كانوا عبر عملية تصدير الثورة التي تتيح كل شيء بما فيها خلق الفتنة والسهر على تقويض مؤسسات الدول ومساعدة كل ما يمكن أن يمكنهم من ذلك أو يحمل رايتهم في كل أنحاء المعمور... والحرس الثوري إضافة إلى الباسيج وأنصار حزب الله هي ركائز النظام، وهي المتشبعة بدرجة كبيرة من الالتزام الإيديولوجي، والمدججة بقوات بحرية وبرية وجوية وترسانة عسكرية ضخمة من الصواريخ والدبابات والطائرات المقاتلة والغواصات...
ويجب أن يفهم الجميع أن قاعدة «مبدأ تصدير الثورة» هي قاعدة مقدسة عند حامي الثورة الإيرانية منذ قيامها، ويقصد بذلك نشر المذهب الشيعي خارج حدود الدولة الإيرانية والعمل على القيام بثورات مشابهة هنا وهناك. ففي إحدى خطبه، نتذكر ما كان قد قاله المرشد الإيراني السابق الخميني أشهرا بعد قيام الثورة «سنصدر ثورتنا إلى كل دول العالم» مطالبا بتكرارها في البلدان الإسلامية الأخرى كخطوة أولى نحو التوحد مع إيران في دولة واحدة، وهذا ما نقرأه جليا في المادة 154 من الدستور الإيراني الذي يؤكد «على التزام إيران العمل على إقامة حكومة الحق في أرجاء الأرض وحماية الكفاح الشرعي للمستضعفين في أي مكان.»
ولقد عرف التأثير الشيعي بثلاث مراحل أساسية. 1) ضعفه منذ القرن التاسع عشر حتى الثورة الإيرانية لسنة 1979؛ 2) محاولة إحيائه (من الثورة الإيرانية 1979 حتى 2003 تاريخ سقوط العراق)؛ 3) صعوده عقب سقوط نظام صدام ورفع المراقبة عن شيعة العراق الذين يشكلون ثلثي سكانها، مما مكن الإيرانيين من الحصول على أطباق من ذهب ومنافذ سهلة، سمحت لهم بتوسعة نفوذهم في كل المنطقة ونشر الفوضى.
وتستثمر إيران خاصة إيديولوجيتها في دول «البدر الشيعي» أي القريبة جغرافيا وذات المكونات المذهبية كالعراق وسوريا ولبنان واليمن فالخليج العربي؛ وفي بعضها نجد تجمعات شيعية يدين بعضها بالولاء التام للمرشد الإيراني، وتشير التقديرات إلى أنهم يمثلون 55-60 في المائة في العراق، و20 في المائة في سوريا، و30 في المائة في اليمن، و25-35 في المائة في لبنان و55-60 في المائة البحرين. وتعتبر الإثنا عشرية هي الطائفة الكبرى، وتليها الإسماعيلية ثم الزيدية بنسب صغيرة، ويتراوح عدد الشيعة في العالم بين 150-200 مليون نسمة، بنسبة 10-13 في المائة من إجمالي عدد المسلمين في دول المعمور، ويعيش منهم ما بين 115-135 مليونا في قارة آسيا بما يعادل نحو ثلاثة أرباع عدد الشيعة الكلي، ويتركز معظم الشيعة نحو 68-80 في المائة في أربع دول: إيران (66-70 مليون)، وباكستان والهند والعراق (قرابة 90 مليون نسمة)، ويتركز وجود الشيعة الإثنا عشرية بنسبة كبيرة في إيران والعراق وأذربيجان والبحرين، وبنسبة لا يستهان بها في كل من الكويت ولبنان، وفي مناطق عدة كمسقط والباطنة في سلطنة عمان، وباقي دول الخليج العربي وباكستان والهند وفي دول آسيا الوسطى، ويعيش الشيعة الإسماعيلية في نجران في السعودية والهند، أما الشيعة الزيدية فيتمركزون في اليمن.