أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: قبل الحماس الشبابي: كان التدين بالإسلام مظهر تخلف ونقص، وكان التجديف والممارسة الحرة العلنية في الخارج مظهر تمدين وطلائعية لدى الأمم الكافرة ذات القوة المادية ، ولدى الدهماء.. ولم يؤثر عن هذا البيت السعودي إلا ما قاله ابن خلدون من الحياء من المشايخ والأكابر.. بل من العامة؛ فلم يـؤثر عن مسؤول من هذا البيت الكريم في الداخل أو الخارج تجديف، أو تظرف بما لا ينبغي، أو رفع جانب الحياء والمبالاة؛ لأن أخلاق السياسة في هذا البيت شرط وجود ، وليس حلية تخلق مصطنع.. وذكر ابن خلدون أخلاقا سياسية أخرى هي المعهودة بعينها في تاريخنا المحلي، وهي إكرام الصالحين تدينا، وإكرام العلماء للحاجة إليهم في إقامة مراسم الشريعة ، وإكرام التجار ترغيبا لهم؛ ليعم النفع بما في أيديهم، وإكرام الغرباء باقتضاء الدين والأخلاق، وإنزال الناس منازلهم بمقتضى العدل.
قال أبو عبدالرحمن: وعصبية الدين في هذا البيت كنز من كنوز الأمة لا ينغص عليه إلا مغامر بمستقبل أمته؛ وذلك من عدة وجوه:
أولها: أن هذه العصبية مبادرة من كل واحد من أجدادنا ضحوا فيها بالمال والأنفس والراحة؛ لتحقيق مرغوب واحد أجمعـوا عليه؛ وهو عبادة الرب، وتحكيم الشرع.. ولم تتغير الدعاية لهذا المرغوب في السلم عن حالتها أيام الجهاد من أجلها.. وأي تنغيص على هذه العصبية فهو رغبة عن هدفها.
وثانيها: أن هذه العصبية واقع عملي في القدرات الدنيوية؛ فقد حصل الاتحاد إقليميا وقوميا، وأتيحت فرص العمل والعلم والتعليم، وحصل الرغد والأمن؛ وأي تنغيص على هذا فإنما هو ملل من النعمة كملل قوم سبإ.
وثالثها: أن هذه العصبية واقع عملي في إقامة مراسم الشريعة، وصيانة العلن عن التواطئ على محرم؛ فكان المجتمع بدولته ورعيته مجتمعا إسلاميا؛ وأي تنغيص على هذا فهو مغامرة على مجتمع دون إقـامته مليون حاجز في عصر الوفاق العالمي ؛ والتقدير بالمليون على أسلوب العرب في تقدير أقصى ما يعلمونه من الأعداد؛ من أجل استبعاد حصول ما ينفونه!!.
ورابعها : ملكة الممارسة التاريخية ما ينيف على قرنين ونصف قرن اكتسبت فيها الخبرة، والعلم بداء المجتمع وأدوائه، وإجماع الرعية على الطاعة والاعتزاز بها؛ وكثيرا ما قلت: إن حق دولة بهذه العصبية الدينية أخص من واجب الحسبة الشرعية، ومن ينغص على هذا الحق مأزور غير مأجور.
قال أبو عبدالرحمن: إن ملك آل سعود خلافة إسلامية بالمعنى الصحيح ؛ لأنها خلافة ملك رحمة لا جبرية؛ ولأنه لم يقم على أنقاض جماعة ودولة، ولأنها قائمة بفتوى ومناصرة ومواقف أهل العلم والدين الربانيين، ولأنها ذات أولية في بلاد الدولة، وذات ميزة بين الدول المعاصرة في التفرد مجتمعا ودولة لا أفرادا بالسلفية، وإخلاص الحكم للدستور الإسلامي؛ فهي جهة تنفيذ.. إن حقها ليس هو الولاء لدفع مفسدة كبرى؛ بل حقها الحب العميق الخالص، والولاء ؛ لما تقوم به من دفع المفاسد وتحقيق المصالح معا.. ودعوة السلف إلى هذا مبلية بثلاثة أصناف من البشر ذكرهم الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهم الله بقوله: «الصنف الأول: من عرف الحق فعاداه حسدا وبغيا كاليهود؛ فإنهم أعداء الرسل والـمؤمنين كما قال تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [سورة البقرة/ 90].. {وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة البقرة/ 146].. والصنف الثاني الرؤساأ أهل الأموال الذين فتنتهم دنياهم وشهواتهم؛ لأنهم يعلمون أن الحق يمنعهم من كثير مما أحبوه وألفوه من شهوات الغنى؛ فلم يعبؤا بداعي الحق، ولم يقبلوا منه.. والصنف الثالث الذين نشؤا في باطل وجدوا عليه أسلافهم يظنون أنهم على حق وهم على باطل؛ فهؤلاء لم يعرفوا إلا ما نشأوا عليه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.. وكل هذه الأصناف الثلاثة وأتباعهم: هم أعداء الحق من لدن زمان نوح عليه السلام إلى أن تقوم الساعة؛ فأما الصنف الأول : فقد عرفت ما قال الله فيهم؛ وأما الصنف الثاني : فقد قال فيهم: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة القصص/ 50]، وقال عن الصنف الثالث: {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [سورة الشعراء/ 74]، وقال: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [ سورة الزخرف/ 22]. وقال: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْعَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [ سورة الصافات/ 69 - 70].
قال أبو عبدالرحمن : ورد هذا التقسيم حسب هذه الأصناف في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 4/434 ، وذكر أن ذلك في الرد على (البويري)، وعلى هذا تكون الشبهات العمانية هذه آتية من (البويري)، وهؤلاء هم الأكثرون [ الصحيح الأفصح الأكثر، أو الكثير ] كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} [ سورة الصافات/ 71].. وقال تعالى في سورة الشعراء عقب كل قصة: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [سورة الشعراء/ 8-9]، وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [سورة يوسف/ 103]، وقال تعالى في قصة نوح عليه السلام: {وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} [ سورة هود/ 40] ، وقال: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [سورة الأنعام/ 116]. [ مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 3/372 - 374]».. ونقل عن أبي الوفاء علي ابن عقيل الحنبلي رحمه الله تعالى في موضع آخر قوله: «لما صعبت التكاليف على الجهلة والطغام: عدلوا عن أوضاع الشرع إلى أوضاع وضعوها لأنفسهم؛ فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم.. قال: وهم عندي كفار؛ لهذه الأوضاع[،لـ] مثل تعظيم القبور وإكرامها وإلزامها لما[ لعل ذلك تصحيف، وأن الصواب والـتزامها ما ] نهى عنه الشارع من إيقاد السرج وتقبيلها وتخليقها [؛وهو دهنها بالزعفران؛ فهو الخلوق] ، وخطاب الموتى بالحوائج، وكتب الرقاع التي فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا.. وأخذ[ بين هاتين الكلمتين بياض في الأصل بمقدار كلمة [؛لعلها «التراب» أو «الحصاة» ] تبركا بها.. وأما إفاضة الطيب على القبور، وشد الرحال إليها، وإلقاء الخرق على الشجر؛ اقتداأ بمن عبد اللات والعزى: فالويل عندهم لمن لم يقبل مشهد الكفار، ولم يتمسح بآجر المدينة يوم الأربعاء، ولم يقبل الجملون [الجملون ما كان من البناء على هيأة سنام الجمل؛ وهي محركة بفتح الجيم والميم وضم اللام.] على جنازة الصديق أبي بكر وعلي [رضي الله عنهما]، أو لم يعقد على قبر أبيه أزجا[الأزج محركة بيت يبنى طولا .] بالجص والآجر، ولم يـخرق ثيابه إلى الذيل، ولم يرق ماأ الورد على القبر» [مجموعة الرسائل والمسائل النجدية 3/394].. وإلى لقاء في السبت القدم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.