عبد الله الصالح الرشيد
عندما يفقد الإنسان وبصورة مفاجئة رجلاً عزيزاً غالياً إلى نفسه أثيراً إلى قلبه، هنا تتعطل لغة الكلام حيث تفيض العبرات وتغيب العبارات.. وهذا ما حدث فعلاً وأنا أتلقى خبر رحيل الشيخ الجليل العلامة منصور بن حمد المالك فقيد العلم والوطن وعميد أسرة المالك الكريمة في الرياض والرس وفي جميع أنحاء المملكة.. لقد رحل يرحمه الله بعد عمر حافل بالعطاء رحل بعد معاناة لم تدم طويلاً مع المرض بعد أن ظل طوال حياته يملأ المجالس بهجة وحبوراً بطلعته البهية المشرقة وأحاديثه الشيقة المعطرة بالنصح النابع من القلب بكل تواضع ووفاء مما جعل له مع المحبة هيبة ووقارا.. لقد عرف الجميع شيخنا الفاضل الإنسان رجلاً كبيراً في سلوكه تدفعك إلى احترامه وتقديره خصاله الحميدة ومواقفه المشرفة لأنه يتعامل مع الجميع بأخلاق الرجال النبلاء الكبار بكل ما تحمله من أريحية وتواضع ونخوة وشهامة.
لقد اجتمع في جنازته حشد عظيم غص بهم جامع الراجحي الكبير رغم سعته وشارك في دفنه الكثير من العلماء الفضلاء ووجوه المجتمع ومن عامة الناس وما كل هؤلاء أسدى لهم الفقيد معروفاً أو ربما لقيه من قبل لكنها المحبة يغرسها الله في قلوب عباده لمن يشاء، والمؤمنون شهود الله في أرضه، أما عن جموع المعزين فحدّث عن ذلك ولا حرج من داخل الرياض وخارجها.. وكان فقيدنا الغالي من الذين وهبهم الله قدرة على المجاملة ورغبة في مساعدة الغير لا عن تصنع ولكن عن سجية أصيلة متأصلة، ولا أذكر طيلة معرفتي له أو الاجتماع به أنني سمعت منه أو من غيره منسوباً إليه اعتذاراً عن تقديم المساعدة مهما كانت التضحية إلا في شيء لا حول له فيه ولا طول وتجد أثر الأسف والحسرة في نفسه.. أما عن سيرته ومسيرته في خدمة وطنه فقد أمضى في الخدمة أكثر من خمسين عاماً بعد أن نهل من العلوم أنقاها ومن الشهادات العلياء في الشريعة أرفعها وأغناها. قضى معظم سنين خدمته الحافلة في جهاز قضائي هام هو ديوان المظالم عاصر وعايش آمال وطموحات ونجاحات وإنجازات هذا المرفق الحيوي قاضيا ثم وكيلا للرئيس ثم نائبا وقبل تقاعده بسنوات كُلف رئيساً لديوان المظالم حتى تقاعد عن العمل رحمه الله.
وأتذكر هنا أنني بعد تقاعده كتبت عنه مقالاً مشيداً بجهوده وسيرته العطرة بعنوان (الشيخ منصور المالك ونصف قرن من العطاء) الجزيرة العدد 11316 بتاريخ 25/7/1424هـ وكتبت مقالاً مماثلاً نشر كاملاً في نفس الفترة بجريدة عكاظ، وقبل أن أختتم حديثي هذا أرفع يديّ إلى رب العزة والجلال قائلاً (اللهم يا ذا الجلال والإكرام يا خير من سئل وأكرم من أعطى وأجود من وهب، أسألك باسمائك الحسنى وصفاتك العلا وباسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت أن ترحم فقيدنا وحبيبنا منصور الحمد المنصور المالك وتغفر له وتسكنه بجوارك في جنات النعيم مع عبادك الصالحين)..