زكية إبراهيم الحجي
قدرة الإنسان على التعلم والتعليم هي أداته الرئيسة في التواصل مع البيئة المحيطة والتفاعل مع المعطيات الخارجية وتعزيز قدراته على اتخاذ القرارات وحل المشكلات لذا يبقى التعلم والتعليم صفة ملازمة للإنسان وحاجة من حاجاته لا تقل أهمية عن أي من حاجاته الحياتية الأخرى.. كما أن حق الإنسان في التعلم هو حق أصيل لا يمكن التفريط فيه أو التساهل في ضرورة توفيره للجميع دون الأخذ بأية موانع سواء كانت اجتماعية أو مادية أو النظر إلى اختلاف طائفي أو عرقي.
عندما تبنت المملكة العربية السعودية»رؤية 2030» لتكون خارطة طريق بأهداف استراتيجية متعددة.. تشمل جميع القطاعات وتنسجم مع التطلعات نحو عمل اقتصادي وتنموي يواكب مكانتها بين دول العالم المتقدمة.. سعت وبكل عزم بأن تكون هذه الخارطة مفتاح طريق نحو بناء منظومة شاملة ومتكاملة ترتقي بمستوى الخدمات المقدمة وترفع من وتيرة التنسيق والعمل المشترك بين القطاعين العام والخاص في ظل حكومة فاعلة ومواكبةٍ للآمال والطموحات المبتغاة.. ولعل استشراف مستقبل التعليم أحد أبرز أهداف خارطة «رؤية 2030» سعياً لبناء جيل متعلم قادر على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات عند دخوله إلى سوق العمل للمشاركة في مجالات التنمية بشكل عام.
ونظراً لوعي حكومة المملكة العربية السعودية الرشيدة وإدراكها التام بأن التعليم الجيد هو ما يمكن التعويل عليه في موازين الاقتصاد مستقبلاً وانطلاقاً من رؤية 2030 فقد صدرت خلال الأسابيع الماضية قرارات تُفضي إلى خصخصة بعض القطاعات الحكومية ومن بينها قطاع التعليم.. فما مدى فاعلية الخصخصة في التعليم وجدوى الاتجاه نحوها.. وهل يمكن أن نصنع فرقاً في جودة التعليم من خلال الخصخصة.
يبدو أننا أمام تيارين متباينين.. تيار مؤيد لخصخصة التعليم وآخر يساوره شك في نجاح خصخصة التعليم خاصة على المدى البعيد.. أما حجة التيار الأول وأنا من المؤيدين لها بقوة فإنها تنبني على أن الخصخصة في مجال التعليم تتصف بالشمولية وتهدف إلى إدخال أساليب إدارة القطاع الخاص ضمن إدارة مؤسسات القطاع العام وهذا من شأنه إتاحة الفرص لأكثر من قطاع خاص للدخول في مجال المنافسة والتقليل من البيروقراطية ومنح المدارس استقلالية أكبر في استثمار مواردها البشرية والمادية وإعادة النظر في المباني المدرسية وجميع مرافقها ووسائلها التعليمية.. وضع معايير جودة عالية لقياس أداء المعلمين مع توفير فرص عمل لأكاديميي الدرجات العليا والمتخصصين في نظم التعليم وطرق التدريس مع إعادة تطوير المناهج الدراسية بما يتناسب مع الميول وحاجات سوق العمل على أن يُوكل أمر تطوير المناهج إلى متخصصين أكفاء يلامسون الحاجات التعليمية والتطبيقية.. ويخرجون المعلم من أسلوب التلقين إلى أسلوب التعلم الذاتي القائم على السؤال والاستكشاف.. التحليل والنقد.. التفكير والإبداع.. غيض من فيض من إيجابيات خصخصة التعليم والالتزام بتطبيقها يساعد على تحقيق آليات السوق والميزات التنافسية من أجل تحقيق أهداف التنمية.
أما التيار الذي يساوره الشك في نجاح خصخصة التعليم فيبدو أنه يبني حجته على السؤال التالي: وماذا قدمت المدارس الخاصة من برامج مميزة للطالب.. أليست هي نفس البرامج التي تقدمها المدارس الحكومية رغم أن الدولة تدعم المدارس الخاصة مادياً.. بل يرون بأنها ليست إلا باباً خلفياً لجني الأرباح الفردية «المقصود مالك المدرسة» والحقيقة حجج هذا التيار كثيرة ولا يسع المجال لتعدادها.
عموماً مهما اختلفت الرؤى حول مستقبل التعليم في ظل الخصخصة تبقى خصخصة التعليم في نظر الكثير هي الأجدى والأكثر فعالية للارتقاء بنوعية مخرجات التعليم والتخفيف من الضغط على قطاع التعليم العام وخلق المنافسة لتقديم خدمة تعليمية أفضل وزيادة معدلات النمو الاقتصادي للدولة.