خالد بن حمد المالك
هناك من لا يتحدث إلا عن السلبيات، إذ إنه لا يوجد في ذاكرته مفردة عن موقف أو عمل أو إنجاز يحمل مصطلحاً إيجابياً، كل ما يختزنه في عقله سلبيات في كل شيء، فالصورة لديه كأنها لم تمسها لمسة جمال يضعها في مكانها الطبيعي، فظلت في زاوية مظلمة كما يراها لا كما يراها غيره.
* *
هناك سلبيات كثيرة -وهذه حقيقة-، بعضها مؤذٍ، ولكن يقابلها إيجابيات مقدرة ومثيرة للانتباه، ولكي نعبر عن هذه الصورة بوجهها الجميل علينا أن نتعرف على الوجه المغيب، علينا أن نبحث عن الجمال لا القبح فيها فقط.
* *
أنا لا أتحدث عن الصحافة ووسائل الإعلام التقليدي، وإنما أتحدث عن المنابر والتجمعات والمنصات الحديثة في كل وسائل الإعلام، وكل مصدر رأي، يكون له تأثيره في الرأي العام.
* *
نحن نحتاج إلى حرب نشنها على كل ما هو سيئ، والتصدي لكل التشوهات في عاداتنا وتقاليدنا، ونحتاج أكثر إلى مصارحة أنفسنا بما ينبغي أن نواجه به هذه السلسلة من الممارسات الخاطئة في حياتنا، وذلك لبلوغ أهدافنا.
* *
وفي مقابل ذلك علينا أن نتمسك بكل ما هو جميل في حياتنا، فلا نفرط بالمكتسبات بذريعة التغيير والتجديد والعصرنة إذا كانت هذه لا ترتقي إلى تأصيل القوة والنجاح والريادة في مكتسباتنا.
* *
وأمامنا فرص واسعة لإثبات وجودنا، لفرض احترامنا، ولإقناع الآخر بسلامة مواقفنا وأجندتنا، وأن نؤكد بأن المبادئ التي نؤمن بها هي خلاصنا من بعض ما نُرمى به من نقد جائر وتهم غير منصفة حتى لما نحن فيه على حق.
* *
والمسؤولية في كل هذا تقع علينا، فنحن من وضع أنفسنا في هذا الموقف، وساعد على ترويج هذا الانطباع عنا، وفشل في أن يعبّر عن حالنا بتوصيف مقنع لمن لم يفهمنا بعد، وقد لا يفهمنا أبداً، إن لم نغير ونجدد من أدوات وآليات تعاطينا مع الآخر بإعلام متمكن لديه القدرة للقيام بهذا الدور.
* *
ومن المهم أن نراجع مسيرتنا الثقافية وخطواتنا التعليمية والإعلامية لنتعرف على أوجه القصور فيها، ونبدأ من جديد في توظيفها لخدمة أنفسنا، والذب عن مصالحنا، والبحث عن آفاق جديدة تضعنا باحترام في عين وعقل الآخر.
* *
هذه ليست صورة متشائمة عن حالنا، وعن الموقف المؤلم منا، وإنما هي آمال في زمن التحديات، للعبور نحو عالم أكثر إشراقاً، وبأمل ألا تكون دولنا بمثابة تكملة عدد، أو حضوراً شكلياً إلى جانب الدول الأخرى، دون أن يكون لها أي تأثير.
* *
أخلص بعد كل هذا، إلى أن المصارحة بتجرد وشجاعة عن حقيقة أوضاعنا، سلبيتها وإيجابيتها، هو ما نفقده الآن، فالتركيز على السلبيات، وإهمال الحديث عن الإيجابيات، أو العكس، لن يقود دولنا إلا نحو المزيد من الفشل والهوان والضعف، أمام دول تخطط وتعمل وتنجز بنجاح ملموس للحاضر والمستقبل.