مها محمد الشريف
لعله من غير المجدي أن نناقش مسألة تكاد تكون مطروحة منذ زمن بعيد على طاولة الحوار، وماثلة أمامنا في علاقتها بالحاضر ويكون الجواب متاحاً للجميع وهو نبوغ الفساد في العقل الإنساني، حتى أصبح له مكانة في جميع الأدوار الاجتماعية رغم تطور حالة الحياة اليوم، ويعطل العامل الكبير في تطور الشعوب ويجعل مبادئها ناقصة التكوين، حيث تبيّن أن عالم الإنسان منذ بدايته ينسحب إلى دائرة الضوء حتى يحتل مكان الصدارة ولكن دون مضمونه الخفي، ثم ينتظر بشوق ولهفة الفصل الأخير.
ومن ثم يتم القبول المشروط ببطلان جميع المشاهد السابقة، المندرجة ضمن جملة من المغالطات التي حلّت علينا بظلمة حالكة في وضح النهار، وفي عام 2016 تصدرت الصفحات الأولى خبر مفاده أن بوتين «يمنح» بلاتر جائزة نوبل رغم هزة الفساد في «الفيفا»، وشرع في تزكيته ودعم موقفه رغم إدانة بلاتر بالفساد.
وفي نطاق مثل هذا الوضع، ألن يكون لنا وقفة مع اختلالات ينساق إليها الوعي رغم وجاهة الجائزة العالمية الأشهر والأرفع مستوى، وأي وعي يمكن أن يبرر الشك في استقلالية هذه الجائزة وتحرير كل ما آمن به العالم، وشبهة الفساد التي حولت الأسباب إلى تحقيقات ومعايير قيد التقصي، فهل تحجب الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للآداب هذا العام؟
وتبعاً لذلك فعندما نفترض أن الأمر يتعلّق بشبة فساد، وأزمة ثقة نعود إلى تلك الفترات التاريخية السابقة والأسماء التي منحت هذه الجائزة ولم تكن بالضرورة صائبة في اختياراتها لبعض الأشخاص وضعف مهامها وما تملكه من سراب الأفكار والعلوم، فقد مرت عدة مشكلات على الأكاديمية أوقفت الواقع المتحرك لها وصنعت تغيّرات وأولية منطقية للفوضى بسبب فساد مالي وخلافات وصراعات أبعدها عن أهدافها وغاياتها الأساسية. ويتحدث لارس غيللينستين أحد أعضاء لجنة جائزة نوبل في مذكراته عن ممارسات زملائه وصراعاتهم، وإضعاف القيمة بمفهومها الحالي ما ترك تأثيراً عظيماً لا خلاف عليه في تصوراتنا وخاصة بعدما حملت مذكراته مبررات حول منح جائزة نوبل لكاتب ما، وخلافه مع السكرتير الدائم للأكاديمية السابق متهماً إياه بعدم المعرفة في شؤون الأدب، وأن التبريرات التي يقدمها لمنح جائزة نوبل الجائزة في الآداب تأتي متشابهة بالنسبة إلى جميع من نالوا الجائزة وكأنها كليشيه عامة.
لقد أثرى الفساد قراءة العالم، لذا يوجد عدة منظمات غربية غير حكومية تقدم كل عام دليلاً لانتشار الفساد بين الأحزاب السياسية والشرطة والنظام القضائي والخدمات العامة في جميع البلدان، بناءً على آراء خبراء في قضايا الفساد ضمن منظمات عديدة أهمها: البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية ومؤسسة برتلسمان الألمانية وغيرها. لأن العالم المتقدّم يخسر أكثر من تريليون دولار سنوياً بسبب ممارسات الفساد والجريمة والتهرّب الضريبي، أضف إلى ذلك بيروقراطية الإجراءات وعدم وضوحها فيما يتعلّق بالتعاملات ذات العلاقة بالمال والثغرات التي ينبثق منها الفساد. وقد شاهد العالم منظمات دولية كبرى مثل «الفيفا» التي دارت حولها الشبهات وإدانتها، وشركة فولكسفاغن العريقة التي اعترفت بالغش في اختبارات تحديد انبعاثات الغازات الضارة، وقالت هوكييت لابيل مديرة منظمة الشفافية الدولية من برلين: (إنه لا توجد منطقة في العالم محصنة ضد مخاطر الفساد ولا بد من فرض رقابة قوية على المؤسسات وتولي الهيئات القضائية والرقابية ووكالات تنفيذ القانون ومكافحة الفساد مهامها بشكل جيد ومستقل). والحق يُقال أن ثمة تعالقاً غريباً بين الفساد، وهدر الموارد العامة، فأصبح الإنسان من خلاله يدخر من ماله ما يدفعه لإنجاز مهام تعد حقاً من حقوقه المشروعة وبهذا اجتمعت الدواعي لدعم الفساد الإداري وحجب الشفافية، وبذلك تمرد الاضطرار ضد الاختيار، والحاجة والضرورة تحكمت بهما البيروقراطية.
فالأديان تحث على العدل والقيم الخالدة، واتخاذ القرارات القانونية الصارمة لمكافحة الفساد وحفظ حقوق الناس، وإن مفهوم المصير يعني نهاية وحجب منفذ آمن في الحياة ينبثق منه النور.