د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
**ربما نكون -مجتمعيًا وإعلاميًا- الأكثرَ إسرافًا في منح الألقاب الوجاهية دون ضوابط، أو لنقل دون داعٍ أو حاجة؛ فالمثقف والمفكر والرمز والداعية والشيخ وسواها منحٌ سَنيَّةٌ نسبق بها أو نُلحقها من تبلغه شهرةٌ أو يضاءُ له محفل دون أن تكون لدينا معاييرُ للتمييز، ومن غير أن تزيد هذه «الإضافاتُ» في أرصدة من مُنحوها أو تنقصَ ممن غابت عنهم، ويبدو أنها مرتبطة بإنشائيات اللغة التي تتراكم فيها المفرداتُ المترادفة؛ فيتفوق الإسهابُ والخطابية، كما تتصل بتعاقدات المجتمع التي تتوجسُ من المباشرة مبالغةً في القرب وجفافًا في التعامل.
** تتخلص اللغة من ترهلاتها متى وجدت البيئة القادرة على احتواء المباني والمعاني بخفةٍ ولطفٍ و»تكميمٍ» للتضخم الدلالي المرتبط بمساحاتِ القبول وفق فطرة العربي وإن شئتم الأعرابي الذي اعتاد مخاطبة كباره بأسمائهم المجردة من واقعهم ومواقعهم، وهو ما تمارسه بعضُ التقاليد المعولمة؛ فلا يُعرف المدير بوسمه ولا ينفردُ برسمه، وكنا الأَولى بهذا؛ أولسنا نقول في صلواتنا: «اللهم صلِّ على محمد..»، وفي أذاننا وإقامتنا: «أشهد أن محمدًا..» ؟! وهل في الكون كلِّه أعظمُ من سيد الثقلين!
(2)
** نتخطى من قد تجوز لهم الألقاب، وإن بممارسةٍ سلبية، لنتأمل فيمن يخفرون ذمة الرمزية المعنوية بمواقفهم الملتبسة، ومن أكبرهم - اليوم - شعوبي طائفي وقف مع سفاح الشام ضد بني أبيه، وأعلن موت الإسلام بوفاة النبي، ويرى الحل في القطيعة التامة مع القرون الأربعة عشر، والاعتراف بدولة يهود الغاصبة، والتخلص من العروبة نحو الفرانكفونية للمغاربيين والأنجلوسكسونية للمشارقة، ويعلن أن الخلافة الإسلامية تافهة والحضارة الإسلامية بائدة؛ فأين نجد الرمزية؟ ولماذا نستجيب للتصنيم؟ وماذا عن أمثاله ممن يعيدون استقراء التأريخ الإسلامي بهدف انتقاء ثغراتٍ في مروياته لتشويه منجزٍ مستقرٍ في الذاكرة الجمعية، وكيف يُعدُّ ذا مصداقية من رأى القرآن كتابًا وعظيًا لا أكثر، والسُّنة مصدرًا اجتهاديًّا قابلًا للتهميش، والسقيفة مؤامرة، وصلاحَ الدين مستعمِرًا، والأمثلة تطول؟!
(3)
** ليس أقسى من نفي الإنسان عن ذاته بتشكيكه في أصله وإرثه وانتمائه، وتزداد الغربة حين تجيءُ من ذي هامةٍ يراه المتابع المطمئن مرجعًا، ولو لم نجد -في صبانا- من نبَّهنا إلى أسطرة بعض «روايات تاريخ الإسلام «لافترضنا أنها الحقُّ المخبوءُ عنّا، وربما لا يجدُ النشءُ من يقنعهم أن أساطير اليوم تفوق حقائقَه وزيفه يعلو على صدقه.
(4)
** حين نتخلى عن إلباسِ من لا يستحق ما لا يحق نبتدر خطوةً أولى في تحرير العقل من أسر الشخصنة؛ أكان الموسومُ رمزًا أم مفكرًا أم شيخًا أم عالِمًا فلا نفترض له أفضليةً تدعو إلى مسايرته، وهنا تتوافر لدينا منهجية أولية للقراءة بذهنٍ واعٍ وأعينٍ مُسرجة.
(5)
** الثقافة محكمةُ ذات.