د.علي القرني
كنت قد التقيت الدكتور أحمد الربعي وزير التربية الكويتي في لندن قبل سنوات وقبل وفاته في حضورنا لفعالية علمية هناك، وجلسنا معه ومع بعض الزملاء في الخليج نتناقش حول أوضاع التعليم في منطقة الخليج، وما لفت انتباهي في كلام الدكتور الربعي هو نيته أن يتخلص من مركزية التعليم في الكويت، ولا أعرف إذا استطاع أو لا، ولكن كانت رؤيته هي في تحرير التعليم من مركزية الوزارة كما ذكر لنا، وإعطاء صلاحيات ليس لمدير التعليم فقط بل لكل مدرسة، منها إعطاء صلاحيات وميزانيات مستقلة لكل مدرسة.
ووزارة التعليم في بلادنا لديها خطوات مهمة في دعم التعليم العام والجامعي، ومن ذلك على سبيل المثال نظام الجامعات الجديد، فهو يحرر الجامعات نسبيا من النظام المركزي الذي اعتادت عليه من سنوات وعقود. ولكن مع هذا التقدم الكبير الذي تحرزه الوزارة في تطوير التعليم وأنظمته، يأتي موضوع معين ويعيد الوزارة إلى المربع رقم واحد، وهنا أعني قرار نقل صلاحيات إيقاف الدراسة من إدارات التعليم إلى لجنة مركزية في الوزارة، رغم وجود مدير التعليم عضوا فيها.
فماذا نستنتج من مثل هذا القرار؟ أو لنقل سحب الصلاحيات من مديري التعليم؟ نرى كمراقبين أن الشك في صوابية قرارات إيقاف الدراسة هو السبب وراء اتخاذ هذا القرار، فلربما رأت الوزارة أن تكرار إيقاف الدراسة لم يكن مبررا، وربما لديها العذر إذا اكتشف العالم أن اليوم الثاني بقدرة إلهية أصبح صحوا ولم تنزل أمطار أو تمر عاصفة ترابية، ولو حدث ما كانت تتوقعه الأرصاد الجوية لما كان للوزارة موقف. وهنا كل العملية تخضع لحسابات معينة، تراها الوزارة أحيانا في غير مكانها، ولكن الأصح أن صاحب القرار وضع في حسبانه (سلامة الطالب أو الطالبة أولا)، نعم سلامة أبنائنا وبناتنا أولا. وهذه مسؤولية كبرى تقع على عاتق مديري التعليم في المناطق. ولا نحسب أن أي قرار قد تم اتخاذه اعتباطا أو بلا مسؤولية. ولكن سحب صلاحيات مديري التعليم يثير الكثير من الأسئلة حول مثل هذا القرار ولا يجيب على شيء.
كذلك تم سحب صلاحيات مديري الجامعات في اتخاذ قرار إيقاف الدراسة، وتحديدا يتشاور مدير الجامعة مع اللجنة المركزية بالوزارة، وهذي أيضا إشارة إلى حب الوزارة للمركزية وشهوتها للعودة إليها في صغائر الأمور. فإذا كان نظام الجامعات الجديد يعطي صلاحيات كبرى للجامعات في أنظمة وقرارات وحتى في ميزانيات وآليات صرف، إلا أن الوزارة استكبرت أن يكون قرار إيقاف الدراسة من مسؤولية مديري الجامعات، وهذا غريب فعلا في ضوء توجه الوزارة نحو استقلال الجامعات.
أما إذا كانت الوزارة تعني بقرارها إمارات المناطق وتدخلها في قرار إيقاف الدراسة - ولا أظن ذلك - ولو كان كذلك فهذا أمر غير مبرر تماما، لأن أمير المنطقة هو نائب الملك في منطقته، وهو الحاكم الإداري الأول في المنطقة، فإذا رأى أن إيقاف الدراسة في مصلحة عامة فليكن ذلك، ولا نحتاج أن نتوقف لحالة أو حالتين كذبت فيها توقعات الإرصاد الجوية، فكل شيء بإرادة الله ومسير بحكمه.
وأخيراً، فإني أتعاطف مع معالي نائبي الوزير ووضعهما في اللجنة المركزية التي تقرر إيقاف الدراسة في حوالي مائة مديرية تعليم وجامعة في المملكة، فهذا يعني بالضرورة أنهما سيتفرغان لهذه المهمة اليومية الشاقة والتي يجب أن تستمر آناء الليل واطراف النهار، وبالتالي سيتركان قضاياهما الأساسية في تعليم البنين وتعليم البنات. وما أتمناه فعلا هو العودة إلى توجه الوزارة الناجح والذي يعد نقلة نوعية في التعليم في المملكة وهو التحرر من المركزية وإعطاء الجامعات ومديريات التعليم الصلاحيات الكافية لإدارة الشأن التعليمي وبالتالي التخلي عن هذا القرار.