د. فوزية البكر
تكاد السنة الدراسية تشرف على نهايتها. كلها أسبوعان تقريباً وينتهي الحصاد ويقر الطلبة في منازلهم في انتظار رمضان الكريم وبعدها يبقي من يبقى ويحلّق من يحلّق لكن السؤال: هل تعلم ابنك وابني وطالبك وطالبتي ما يجب أن يتعلموه بنفس درجة الكفاءة لمن هم في أعمارهم أياً كانت مرحلتهم الدراسية؟
في تقرير التنمية في العالم «التعلم لتحقيق وعد التعليم» والذي نشره البنك الدولي نهاية عام 2017 حذَّر التقرير من الفشل المتوقّع لملايين الطلاب في كثير من البلدان النامية وتحديداً في إفريقيا والشرق الأوسط ودول أمريكا اللاتينية بسبب أزمة (عدم التعلّم) التي يعانون منها رغم أنهم ملتحقون بالمدارس وضرب أمثلة على ذلك ما حدث عندما طلب من تلاميذ في الصف الثالث ابتدائي في كينيا وتنزانيا وأوغندا قراءة جملة بسيطة مثل (اسم الكلب بوبي) فلم يفهم معناها ثلاثة أرباع التلاميذ، وفي الهند لم يتمكّن ثلاثة أرباع الطلاب في المناطق الريفية من حل مسألة حسابية لطرح أعداد مكونة من رقمين مثل: 46-17 وسيحتاج البرازيليون إلى 75 عاماً ليصل طلابهم إلى متوسط درجات الطلاب في البلدان الغنية في الرياضيات وإلى 260 عاماً ليلحقوا بهم في القراءة! أية فاجعة!
أكاد أجزم أن الكثير والكثير من الطلاب في السنة الرابعة الابتدائية في مدارسنا (خاصة طلاب المدارس الخاصة) لن يتمكنوا من القراءة العربية السليمة لخبر منشور في صحيفة يومية كما أتحدى كثير من طلاب السنة الأولى في الجامعة أن يكتبوا خطاباً إلى شركة يسألونها الرغبة في التوظيف الصيفي ويخبرونها عن خبراتهم وسيرهم الذاتية دون أخطاء لغوية وإملائية كبيرة.
في تقرير التنمية في العالم للعام 2018 والذي نشرته الأمم المتحدة أكدت فيه أيضاً على الفرص الضائعة للتعلّم التي تفوت ملايين الأطفال في العالم والذين سيعانون الفقر وقلة الفرص الوظيفية حين يكبرون وسيشكلون الخطوط الأمامية لمعظم الأزمات السياسية والاقتصادية التي ستطول مناطقهم لاحقاً.
لماذا هذه الفرص المهدرة لطلاب هم ملتحقون فعلياً بالمدارس كما في بلداننا لكنهم لا يتعلمون أهم المهارات القرائية والرياضية والعلمية التي يجب أن يتعلمها من هم في سنيهم؟
حدّد تقرير التنمية في العالم أربعة أسباب رئيسية لهذا الهدر وهي:
- يصل الأطفال للمدارس وهم غير مهيئين للتعلم لأسباب مختلفة حسب كل بلد فقد يكون الفقر في بلد أو الحرب أو الغني الزائد الذي يجعل الوالدين لا يأبهون لقيمة ما يتعلمه أطفالهم في المدارس كما عندنا مثلاً في بعض المدن الرئيسية كما تؤدي الأبعاد الاجتماعية للإقصاء بسبب الجنس أو العرق أو المنطقة إلى حدوث فجوات خطيرة في مخرجات التعليم.
- يشكل المعلمون أهم عوامل التأثير في عملية التعلم لوجودهم في الخط الأمامي مع الطلاب مباشرة فقد لوحظ مثلاً في الولايات المتحدة أن الطلاب ممن لديهم معلمون أكفاء يتعلمون ثلاث مرات أسرع ممن لديهم معلمون غير أكفاء ويفتقر العديد من معلمي الدول التي ذكرت إلى الدافعية أو المهارات للتدريس بشكل فعّال كما يتم تبديد الوقت قي الفصل في أنشطة غير مثمرة تعليمياً أو بسبب غياب المعلمين الفعلي، حيث وجد أن واحد من كل خمسة معلمين في عديد من الدول الإفريقية يتغيبون بشكل دائم عن مدارسهم.
- سوء الإدارة والحوكمة، إذ رغم أن القيادة المدرسية الفعّالة لا تحسن تعلم الطلاب بشكل مباشر لكنها تقوم بذلك من خلال تدعيم أساليب التدريس وتحسين استخدام الموارد لكن مدارس الدول المذكورة تعاني كما تشير التقارير إلى سوء في الإدارة المدرسية فالكثير من قادة المدارس لا يساعدون المعلمين في حل المشكلات ولا يقدمون المشورة التعليمية ولا يحددون أهدافاً واضحة للتعلم.
- صعوبة إدارة نظام التعليم ككل: بسبب مشكلات فنية كبيرة حيث يجب أن تكون أجزاء النظام متوافقة مع عملية التعلم وأن يمتلك كل الأطراف على كافة المستويات القدرة على التنفيذ لكن الجميع لديهم مصالح تختلف عن فكرة الاهتمام بالتعلم، فالسياسيون يحافظون على مواقعهم باستهداف فئات جغرافية أو طبقية والموظفون الحكوميون يسعون لإرضاء السياسيين والمعلمون يحافظون على مصادر رزقهم بإرضاء الموظفين وهكذا بحيث لا تتكاتف أجزاء النظام لخدمة عملية التعلّم.
من يخسر في النهاية؟
نحن وطلابنا ومجتمعاتنا التي تدور في دوائر القلق والترقب والحروب وعدم الاستقرار بسبب قلة التعلّم وندرة التعليم الحقيقي الذي يشكل النواة الحقيقية للوعي الشخصي والمجتمعي فما هي السبل التي يمكن أن نتبعها من خلال خبرات من سبقونا ومن خلال تحليل أوضاعنا المحلية لكي نحقق هدف التعلّم الاسمي؟ يتبع بإذن الله.