عروبة المنيف
«لو كان دا حلم يا ريتو يطول علشان نفضل نحلم كده على طول، والدنيا تفضل هربانة في ليل كله سعادة ليها فرحة حلوة في عينيه وحلاوتها سكرها زيادة».
هكذا صدح مطرب دار الأوبرا المصريه «أحمد عفت» في ليلة افتتاح «ليالي الأوبرا المصرية» بالرياض، وتغنى بأغنية لعبد الحليم حافظ «حاجة غريبة» في دويتو مع مطربة الأوبرا «نهاد فتحي»، ما جعلنا نشعر حقيقة بأننا في حلم جميل ونريده أن يطول، فقد كانت ليلة فنية على غير العادة، شعرنا وكأن مصر كلها قد حلت بيننا، شعرنا بدفق نهر نيلها يجري في قلوبنا، بسحر آثارها، بعظمة تاريخها ومجد حضارتها، حتى لامست حركات المايسترو «د. أحمد حلمي» وهو يوجه الفرقة الموسيقية قلوبنا، وحركت عذوبة أصوات مطربي الأوبرا مشاعرنا، فحلقنا معهم وكأننا في حلم لا نريد أن نصحو منه.
كم هو جميلٌ ذلك التبادل الثقافي الفني الذي يضرب على وتر التقارب والألفة بين الشعوب من خلال العروض الفنية والثقافية وحفلات الطرب الأصيل والترانيم والأهازيج التي تتوج جماليات الفلكلور الشعبي، فلن تستطيع لا الإتفاقيات ولا المواثيق الدولية أن تحل محلها في تدعيم أواصر اللحمة بين شعبين ومد جسورالتقارب والتعاون بينهما لتصبح معطرة برائحة المحبة ومزينة بأكاليل الفرح.
شعرت في تلك الأمسية بجمال مختلف للرياض، وكأنني أتعرف عليها من جديد، فالحفل كان جميلاً بكل المقاييس، من خلال عرض جماليات دور الأوبرا، وتقديم عرض عن «دارالأوبرا المصرية» بشكل ساحر ليكون الحماس على أشده لاستقبال «دار الأوبرا السعودية»، بكلمة وزير الإعلام السعودي ووزيرة الثقافة المصرية عند الافتتاح والتي عبرت كلمتاهما عن مشاعر الأخوة بين الشعبين الشقيقين على مر تاريخهما، بأداء مطربي دار الأوبرا المصرية الذي جعل الجميع ينصتون مندهشين بجمال الأداء، وبتاريخية المناسبة وبأثر وقعها على النفس، بالتنظيم الذي فاق الوصف على الرغم من مجانية الدخول فقد كان الشباب والشابات السعوديون القائمون على التنظيم بغاية الإحترافية في الأداء، فالحفاوه والأدب في التعامل تناغم مع روح الإحترام والتقدير للحضور حتى سألتني إحدى الصديقات من جنسية عربية، هل جميع المشاركين في التنظيم سعوديون؟ فأجبتها بنعم «إرفع راسك إنت سعودي».
لم يخف على المعدين للبرنامج الموسيقي والطربي أهمية اختيار الأغاني، فقد كان اختياراً موفقاً وأعادنا برحلة ساحرة إلى أيام الطرب الأصيل، أم كلثوم وشادية وعبدالحليم ونجاة الصغيرة، وتسمر الجمهور لأكثر من ثلاث ساعات متواصلة في مقاعدهم، وكان ختامها مسك باختيار أغنية «شمس الأصيل» لأم كلثوم صدحت بها مطربة دار الأوبرا «مي فاروق»، فكان الأداء للأغنية فوق الوصف بطبقات الصوت والكلمات واللحن. لا نستطيع أيضاً أن نتجاهل روعة تصميم مكان الحفل، «مركز الملك فهد الثقافي»،في قدرته الاستيعابية للجماهير والاحترافية في تجهيزاته المرتبطة بتوزيع الموسيقى وكأنك في دار أوبرا فعلية.
لطالما حلمت بإنشاء دار أوبرا بالرياض، فدور الأوبرا كانت تستهويني دوماً، وفي كل بلد أحل بها أشعر أن زيارة دار الأوبرا فيها هي من جدول أولوياتي للتعرف على ثقافة الشعب الذي حللت بدارهم، وها هي دار الأوبرا السعوديه قادمة لتعلن للجميع أننا دوله ذات حضارة وثقافة ورقي وطرب أصيل كغيرنا من الشعوب. بارك الله في مملكتنا الحبيبة.