«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
عندما دعاني حفيدي لمشاهدة (المصارعة الحرة) والتي بدأ نشاطها المثير في المملكة.. جلست وبعض أفراد أسرتي الصغيرة نشاهد الحلبة والتي لولا وجود الجماهيرالسعودية والمقيمة الذين كانوا يشاهدونها بحماسة ومتعة شديدة لكتبت هنا أنني أشاهدها في «لوس انجلس» أو في إحدى حلبات المصارعة في نيويورك. ولكن المشاهد حية ومباشرة ومن جدة. وعادت بي الذاكرة إلى زمن «الفتوة» وكيف كنا ننتظر برنامج المصارعة الحرة التي كانت تعرض من خلال تلفزيون الظهران.. وكيف كان مجلس خالي عبداللطيف -رحمة الله عليه- أشبه بقاعة صغيرة للعرض، فكانت ليلة عرض المصارعة يتوافد إليها العشرات من الأقارب والمعارف وحتى بعض الجيران؛ في وقت لم يكن التلفزيون متوفراً في كل بيت. وكانت مشاهدة المصارة أيامها ممتعة وشيقة بفضل ذلك المعلق الذي لا يمكن أن ينسى لأبناء جيلي «عيسى الجودر» من أبناء الشقيقة البحرين وكان موظفا في تلفزيون الظهران. لقد استطاع بعفويته وتفاعله وتعليقاته البسيطة والتي يوظف فيها لهجته اللطيفة السهلة الممتنعة إذا جاز القول أن يحبب مشاهدة المصارعة الحرة للكبار والصغار.. حتى ان البعض كان يؤجل التزاماته ومناسباته الأسرية والاجتماعية ليتفرغ لمشاهدة «المصارعة الحرة».. وكانت أيامها تبث بالأسود والأبيض، ومع هذا كان الحماس على أشده ما بين فريق هذا المصارع الضخم أو منافسه المصارع الضئيل لكنه رشيق الحركة وكان «لبلب» في حركته وقفزاته. وأذكر أن أحد أقاربي كان عمله في الرياض.. لكنه كان أسبوعياً يأتي من الرياض لمشاهدة المصارعة الحرة. نظراً لأن بث تلفزيون الظهران لم يكن يصل إلى الرياض؛ فنطاقه محدود لا يتجاوز خريص غرباً لكنه في فصل الصيف والرطوبه يشاهد البث في البحرين وقطر والكويت.
وفي الواقع لم أكن من عشاق المصارعة الحرة لكنني كنت أحب سماع تعليقات عيسى الجودر. وبعد ذلك تعليق إبراهيم الراشد بعدما بدأ بث التلفزيون السعودي.. ولا يختلف اثنان أن رياضة المصارعة الحرة ومن خلال عرض برامجها في تلفزيونات الخليج ساهم في نشر ثقافة رياضة المصارعة الحرة، وباتت برامجها من البرامج التي تحظى بالإقبال والاهتمام والمتابعة من قبل مختلف شعوب العالم.. وكان بالتالي أبطالها ينافسون مشاهير الألعاب الأخرى. ونجوم السينما والتلفزيون ورجال السياسة؛ بل إن بعضهم بات من أصحاب الثروات الطائلة. ويوم بعد يوم تضاعفت شعبية المصارعة الحرة. وصارت لها أنديتها ومجلاتها ومطبوعاتها وفي دول غربية وآسيوية هناك قنوات كيبل مخصصة فقط للمصارعة الحرة.ز وفي العقود الأخيرة بدأت النساء يمارسن رياضة المصارعة الحرة. وتاريخياً المصارعة بدأت مع الإنسان البدائي، حيث كان يضطر حماية لنفسه ولأسرته أن يصارع الحيوانات المفترسة للدفاع عن نفسه أو لصيد الحيوانات التي يراها مناسبة للاكل. وتتنامى المصارعة والعراك بين الناس في مشاهد ومواقف. خلال المناسبات أو الاحتفالات أو حتى للقضاء على الخصوم بتركهم يتصارعون ويتعاركون ومن يغلب فيمنح العفو.
كانت المصارعة البدائية والوحشية منتشرة بين القبائل البدائية والمتوحشة وحتى خلال الحروب والمعارك من أجل الانتصار والفوز أو للدفاع عن النفس والجماعة أو للوصول للسلطة والقيادة وحتى الحكم.. وحسب ما تشير إليه المراجع التاريخية أن القدماء المصريين من أقدم الشعوب في ممارسة المصارعة وهناك دلائل على ذلك وهي النقوش والرسومات والبرديات التي وجدت من 4000 سنة قبل الميلاد والتي وثقت وسجلت هذا النشاط الرياضي الإنساني المثير والكثير والكثير من الصور التي تخص المصارعة وأسلوب ممارستها والفنيات الموجودة فيها فقد وجد 339 صورة في معابد بني حسن وذلك الرقم على سبيل المثال وليس الحصر، فهناك الكثير والكثير من الإثباتات التي تدل على عراقة هذا الشعب ومدى التطور والحضارة التي توصل إليها وإن معظم الصور فيها المصارعون يستخدمون الأرجل مما يدل على أنهم كانوا يفضلون المصارعة الحرة، حيث إنها كانت تفيدهم في الحروب.
- عند الإغريق ازدهرت وسميت عند المؤرخين عصر المصارعة الذهبي وكانو يؤمنون بأنها تنمي قوة الإرادة والاحتمال والقوة البدنية وكانت تحتل المركز الثاني بعد الجري؛ وأقيمت لها بطولة في سنة 776 قبل الميلاد.
- عند الرمان هزم الرومان الإغريق في حروب كثيرة وحافظوا على الحضارة ومن ضمنها التربية وكانت المصارعة أساسها وفتحت المدارس لتعليم المصارعة ومن ذلك الحين والمصارعة تشكل رياضة أساسية عند الشعوب.
ومن هنا برزت المصارعة من أجل البقاء والفوز والانتصار، وحتى المتعة.. كانت فيما مضى من زمن بعيد في القرون الوسطى وقبل ذلك تتسم المصارعة بوحشية وحتى همجية لكن مع أواخر القرن الثامن عشر ومع بداية النهضة التي سادت العالم اتجهت العديد من الدول إلى الاهتمام بالمصارعة ووضع شروط وتنظيم وبأساليب علمية مدروسة للحفاظ على حياة المتنافسين في هذه الرياضة التي باتت شعبية في العديد من دول العالم كاليابان والصين وأمريكا وروسيا وتركيا.
هذا وهناك العديد من نجوم وأساطير المصارعة الحرة الذين قدموا الكثير على حلبات المصارعه وبعضهم اتجه للعمل في السينما، أو مجالات أخرى. ومن أشهرهم أندريه ذا جاينت وهالك هوجان وستيف أوستن وأندرتيكر وشون مايكلز وكين وتريبل إتش و»ذا روك» دواين جونسون وجون سينا وراندي أورتن.