د. محمد عبدالله العوين
تبدأ اليوم الاثنين 14 من شعبان 1439هـ امتحانات الفصل الثاني من هذا العام الدراسي في الجامعات وكأن الأيام القليلة التي مضت بمثابة الهدوء الذي يسبق قلق عاصفة الامتحانات التي ستمتد أسبوعين قادمين.
ومن المفارقات أن الأسبوع الماضي -جرياً على عادة طارئة حدثت مؤخراً نهاية كل عام دراسي- شهد احتفالات تخرّج في عدد من جامعات المملكة، وقد وجهت خطابات حضور احتفال التخرّج لطلاب المستوى الثامن ممن هم على وشك إكمال ساعاتهم الدراسية بنهاية هذا الفصل الدراسي، وحضر مع كثيرين منهم آباؤهم وأمهاتهم وشهدوا احتفال الأبناء بفرحتهم التي لا تضاهيها فرحة بتخرّجهم؛ ولكني أتساءل: كيف يمكن منح شهادة التخرّج لمن لم يدخل بعد إلى قاعة الامتحان للفصل الأخير من سنواته الدراسية؟! وما موقفه وموقف أسرته إذا لم يوفّق أو أخفق في مادة أو أكثر وتعثر تخرّجه؟! وكيف يُسمى الطالب «خريجاً» ويمنح شهادة وهو لم يتخرّج بعد وإن كان على أبواب التخرّج؟! ولم لا يؤجل الاحتفال بالتخرّج إلى أن تنتهي الامتحانات ويعرف المتخرّج ممن أخفق وبقي عليه مادة أو أكثر؟!
إنها عادة غريبة لم نعهد لها مثيلاً من قبل؛ فما كنا في الأزمنة القديمة التي عشناها نحن «جيل الطيبين» نعيش فرحة النجاح إلا بعد أن تعلن الأسماء بعد انتهاء الامتحانات والفراغ من تصحيح الإجابات وإعلان النتائج بصورة قطعية إما في المدارس والجامعات أو في الإذاعة أو في الصحف، وبين اليوم الأخير من أيام الامتحانات وإعلان النتائج بأية وسيلة متاحة أو متوقّعة مرحلة زمنية مرهقة جداً من التوتر والقلق وكأنها سنوات؛ وصور خيالية تسكن وجدان كل طالب من الرعب الذي يمكن أن يجتاح الأسرة كلها -لا الطالب فحسب- لو حدث ما لم يكن في الحسبان.
أما الفرحة التي لا تشبهها فرحة؛ فهي عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى؛ كالتخرّج من الثانوية إلى الجامعة، أو التخرّج من الجامعة بإعلان النتائج واستلام الشهادة؛ لكنها فرحة معنوية لا طقوس ولا احتفالاً كرنفالياً يُدعى له الأقرباء والأصدقاء ويقدّم فيه ما لذَّ وطاب في أرقى الفنادق والقاعات وصالات الأفراح ويتفاخر فيه المدعوون بتقديم الهدايا للطالب المتخرّج أو للطالبة؛ سواء كان المتخرّج طفلاً أو طفلة متخرّجاً في المرحلة الابتدائية أو شاباً أو شابة من الثانوية أو الجامعة.
أصبحت اليوم حفلات التخرّج على مستوى الجامعات أو على مستوى الأسر عادة متبعة؛ وهي عادة حسنة في الجامعة إن تم التخرّج بالفعل؛ لكنها تكون من باب التمني بتحقيق حلم التخرّج في الجامعة لمن لم يحالفه الحظ وأخفق في الامتحان الأخير.
وعلى مستوى الأسر؛ هي أيضاً عادة جيدة محفزة للطالب والطالبة ودافعة لهما إلى بذل مزيد من الجهد لتحقيق التفوّق في مراحلهم الدراسية القادمة؛ لكنها لن تكون محمودة ولا مشكورة قطعاً حين تتجاوز حد الاعتدال إلى الإسراف في التكاليف المالية الباهظة والتفاخر بمظاهر الإسراف والبذخ.