عمر إبراهيم الرشيد
يبدو أن الزحف الأصفر على العالم اقتصاديًا، سياسيًا وإعلامياً لم يعد مقتصرا على الصين وحدها، فالهند كانت خلال الثلاثين عاما الماضية تسير هي الأخرى قدما وبهدوء، حتى نجحت هي والصين في إخراج نصف مليار إنسان من دائرة الفقر. ونظرة سريعة إلى مقار شركات التقنية الرقمية بل والمحاسبة المالية، فستجد مكاتبها التشغيلية في نيودلهي، أو فروعا لها هناك مساندة، والسبب تركيز الحكومة الهندية على التعليم التقني حتى في المدن الصغيرة والأرياف، إلى جانب علوم الصرافة والمالية إذ لا تجد مصرفا في عواصم المال والأعمال في العالم إلا وموظفين من الهند يشغلون وظائف مفصلية فيها، عدا عن دول الخليج والمملكة.
عودا إلى دول نمور آسيا، فما يشهده العالم حاليا من ترقب لما سينتج عن قمة الكوريتين، بالنظر إلى مبادرات الزعيم الكوري الشمالي بتجميد النشاط النووي ووقف تجاربه، وتحسين أجوائه مع جارته الجنوبية وأمريكا، فإذا قدر الله تعالى وعادت الجزيرة الكورية إلى وضعها الطبيعي ودخل البلدان في اتفاق سلام، فإن المارد الآسيوي سوف يأخذ مكان الريادة خلال سنوات قليلة، علمًا بأن الصين تتقدم بخطوات حثيثة لتأخذ مكان الولايات المتحدة اقتصاديا، ونعلم أن الاقتصاد إذا اقترن بحجم دولة كالصين وتعداد يتجاوز المليار (خمس العالم)، فإن هذا مقدمة طبيعية لتكون قوة عظمى سياسيا وعسكريا.
احتواء الولايات المتحدة لكوريا الشمالية واتباع سياسة الثواب قبل العقاب، الهدف الأول منه في رأيي الشخصي كسب كوريا الشمالية، بعد لجم طيش رئيسها وكف أذاه، للدخول في الحلف الأمريكي الآسيوي الذي يضم اليابان وكوريا الجنوبية، إلى جانب الفلبين -وإن كان رئيسها قد شن حملة على الحليف الأمريكي مؤخرا-، حتى فيتنام عدوة الأمس أصبحت شريكا لأمريكا والغرب اقتصاديا، إضافة إلى المعجزة الاقتصادية سنغافورة وتايوان، كل هذه الدول تعد جبهة تعمل أمريكا على الحفاظ على تحالفاتها العسكرية معها عبر قواعدها في أغلب تلك الدول، وتحالفاتها الاقتصادية عبر الاستثمارات والصناعات وتبادل البضائع. والهدف بالطبع تعظيم المنافع والمصالح الأمريكية، فإذا شهدت كوريا الشمالية انفتاحاً على العالم فإنها تمثل سوقا واعدة للشركات الأمريكية لتنفيذ مشاريع البنية التحتية وتصدير البضائع الأمريكية على اختلاف أصنافها، بما فيها الأسلحة والطائرات وغيرها. إضافة إلى منع الصين قدر الإمكان من الهيمنة على تلك الدول بهدف التقليل قدر الإمكان من هيمنتها عالميا. ولا ننسى بالطبع أن الصين أكبر المودعين ماليا في البنك المركزي الأمريكي (أكثر من 800 مليار دولار)، لكن هذه هي السياسة وعوالمها ودهاليزها، مصالح وتحالفات متحركة. الأهم والأكثر تأثيرا، مشهد زعيمي الكوريتين قبل أيام وهما يتصافحان على الخط الوهمي الفاصل بين شطري الجزيرة الكورية، كم هو مثير للمشاعر الإنسانية مذكراً بالمآسي التي مرت بشعب واحد قسمته الايديولجية السياسية الهوجاء والحرب الباردة ودكتاتورية الزعامات، فهل حان وقت عودة الشعب إلى وحدته التاريخية؟ هذا ما نتمناه.
الاقتصاد قوة، ومن يملك قوته يملك قراره، حمى الله بلاد الحرمين قيادة وشعبا، وأعاد إلى بلاد العرب والمسلمين استقرارها ورشدها إنه على كل شيء قدير.