«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
تجدهم في مختلف الدول الأوربية وبعض الدول العربية وعلى الأخص سوريا ولبنان والأردن والعراق. إنهم «الغجر» أو النور أو الزط أو الكاوليه كما يعرفون في العراق الشقيق. وكشف تحليل جيني لـ13 مجموعة من الغجر حول أوروبا، نشر في مجلة البيولوجيا الحالية. أن وصول قاطني أسلافهم من شمال الهند حدث في وقت أبكر بكثير مما كان يعتقد قبل حوالي 1500 سنة. وهذا يؤكّد صحة ما ذكره الفردوسي في «الشهنامة» أن الملك الفارسي «بهرام كور» الذي حكم في القرن الخامس الميلادي طلب من ملك الهند «شانكو» أن يبعث له بخمسة آلاف مهرج مع آلاتهم الموسيقية من أجل الترفيه عن شعبه الذي شعر بأنه مكتئب أكثر مما يجب. فأرسل له قبيلة لاري أكثر قبائل الهند بؤساً وفقراً ليساهموا في إسعاد شعب بهرام. وهذا ما حصل، فتوجه إلى بلاد فارس الآلاف من قبيلة «لاري» الذين بذلوا جهداً كبيراً في مهمتهم. وبعد مضي سنوات وانتهاء مهمتهم عاد البعض منهم إلى الهند وسافر بعضهم الآخر إلى شرق الرافدين وشماله وصولاً إلى أوروبا. ويُشار إلى وجودهم في العصر العباسي من خلال ثورتهم «الزط» وهي من المصاعب التي واجهت المعتصم وأثقلت كاهله أثناء خلافته وحركة الزط الذين تمكنوا من السيطرة على طريق البصرة وهددوا مرافق الدولة وفرضوا المكوس على السفن.. ومع مرور الأيام والسنوات والقرون. مارسوا ما أبدعوا فيه من رقص وغناء وضرب على الطبول والدفوف. وهناك من توجه إلى ممارسة إنتاج المصنوعات اليدوية من حياكة الصوف والمنتجات الجلدية وتفنن بعضهم في الزراعة وتربية الماشية ضمن نطاق محدود، حيث يوجدون خارج المدن أو القرى.. وتشير الدراسات التاريخية إلى وصولهم قبل تسعة قرون إلى مناطق البلقان وفقاً لباحثين في معهد إسبانيا لعلم الأحياء.. وقال ديفيد كوماس، الذي قاد مجموعة البحث: «كانت هناك بالفعل بعض الدراسات اللغوية التي أعطت أدلة مؤكدة تشير إلى الهند والدراسات الوراثية المختلفة. تشير أيضاً إلى أن عشقهم الدائم هو التنقّل من خلال وسائلهم البسيطة كالخيول والبغال مع خيامهم التي صنعوها بأنفسهم. وهم بالتالي يفضّلون الأفق الرحب وعدم محدودية المكان أو إحاطتهم بالمباني والعمران، فما نراه نحن منكمشاً يرونه عبارة عن سماء واسعة لا يحدها حد. سماء تشرق عليه بنورها سواء أكان نور أم قمر لذلك فطبيعة الإنسان الغجري ومع تنامي موروثة أباً عن جد تجد الواحد منهم يتحلّى بالصبر. ويتمسك بقوة بأسرته وماعته. والغجر كانوا يعتقدون في الأصل أنهم قد جاءوا من مصر وبعض من أقدم الإشارات إليهم باللغة الإنجليزية التي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر يطلق عليهم «المصريين». وتصف المراجع الأوربية المبكرة التهجير. والمجتمعات البدوية التي كانت معروفة بموسيقاهم ومهارتهم بالخيول وتربية الماشية وأعمال الصوف.. وخلال ترحالهم وصلوا إلى إسبانيا في القرن الخامس عشر أو قبل ذلك. وعلى مدى قرون واجهوا التحديات خلال تنقلاتهم ونزوحهم سواء أكان ذلك خلال توجههم إلى الأناضول ليعيش بعضهم مع شعوب المنطقة أم عبر اندفاعهم نحو بحر «إيجه» قاطعين آلاف الكيلو مترات ليجدوا أنفسهم على أعتاب أوربا وليعانوا حتى اليوم من التمييز العنصري أو من خلال الاحتواء ودمجهم مع المجتمعات التي يعيشون فيها كما فعلت ملكة بوهيميا والمجر «ماريا تريزا» محو خصوصيتهم بتقديمها الملجأ لهم مقابل تخليهم عن لغتهم الأم وامتناعهم عن التجوال والتنقّل والغناء والرقص والعزف في الشوارع أو الطرقات وأيضاً انخراطهم في الخدمة العسكرية.. هذا والغجر في أوربا يشار لهم غالباً باسم «روما» في جميع أنحاء أوروبا ويشكّلون أكبر أقلية عرقية في القارة، حيث يوجد حوالي 11 مليوناً من الغجر في مختلف الدول الأوربية.. والغجر في الدول العربية باتوا فرقاً وجماعات كما يُقال وليس هناك تاريخ معروف يحدد نزوحهم إلى الدول أو المناطق العربية. ولكنهم باتوا منتشرين. ويمارسون أعمالاً مختلفة وصادف قبل سنوات وخلال مشاركتي في معرض دمشق الدولي للكتاب أن شاهدت بعضهم وحسب ما أكد لي أحد الزملاء أن الذي كان يمارس عملية خلع الأسنان في أحد الطرق في ضواحي دمشق ما هو إلا من جماعة الغجر أو النور أو حتى «القرباط» وهم الأكثر قرباً بتقاليدهم وملابسهم من المجتمع العربي الإسلامي.. واشتهر الغجر في الدول العربية ومن ضمن الممارسات التي يمارسونها في الحصول على لقمة العيش هي «الأعراس»، حيث يحيون العرس من خلال النقوط الذي يحصلون عليه من الحضور. فهم لا يأخذون من العريس ولا أهل العروس شيئاً. ومن المعروف تاريخياً أن إسبانيا والبرتغال والتي يعيش فيها أشهر مجاميع الغجر منذ نهايات العهد العربي في الأندلس وحتى الآن ليشكّلوا فيما بعد أبرز ملامح إسبانيا المعروفة من رقصة الفلامنكو إلى الغناء والرقص الغجري ومصارعة الثيران.. ومن إسبانيا وصلوا إلى المغرب.