إبراهيم عبدالله العمار
عندما كنا صغاراً كنا نقول: ماذا سيكون في المستقبل؟
هذا تفكير شائع، وتشتعل مخيلات الأطفال بشتى الاختراعات والأشياء التي يتوقعون أن تحدث في المستقبل، فليس مستغرباً أن تسمع طفلاً يتمنى العيش في المستقبل حيث لا توجد مدارس وإنما أسلاك توصل بالرأس تعطيك كل دروس اليوم، أو طفلاً يتذمّر من إجبار أهله له أن يأكل الخضار ويتخيل مستقبلاً فيه حبة صغيرة يبتلعها وتعطيه الفيتامينات والحديد وكل ما يحتاجه الجسم.
«أتمنى أن أعيش في المستقبل حيث...»، هذه عبارة شائعة على معظم الألسن، وبعد كلمة «حيث» ضع ما يعجبك، فقد تتمنى أن تعيش في المستقبل حيث تطير السيارات، أو حيث تكون الأرصفة متحركة، أو حيث تُرسل رجلاً آلياً يقضي كل حاجاتك من تسوّق وتجديد وثائق بل حتى أن يذهب للعمل مكانك! المستقبل.. يا لها من كلمة زاخرة بالأمل.. بالنشوة.. بالانبهار.
لكن لا داعي لهذا.
يقول الغربيون: المستقبل الآن تعني أن تخيلات البشر في السابق قد تحققت اليوم، وإننا نعيش اليوم ثورة تقنية علمية لا نظير لها، ولم يمر على البشر منذ خلقِ آدم أي عصر يماثل الانفجار المدهش في العلم والتطور الذي نراه بأعيننا اليوم، فمن كان يتصور أن البشر سيقدرون على تسجيل مشاهد من الحياة على أشرطة أو أقراص صغيرة؟ أو أن يتكلم رجل في مكان فيسمع كلامه شخص آخر في النصف الآخر من الكوكب؟ أو أن نركب مركبة فيها كراسي وثيرة وهواءً مكيفاً تأخذنا بسرعة فائقة إلى وجهتنا البعيدة (السيارة)؟ أو الطائرة، تلك الأسطوانية المعدنية السابحة في الهواء، أو الهاتف المتنقل، شيء صغير يفعل الأفاعيل، والكثير جداً غير ذلك.
لكن هل هذا هو الأمثل؟ نعم، اخترعنا السيارة، لكن صرنا أقل حركة، بدلاً من المشي وركوب الدواب والحركة النافعة. اخترعنا التلفاز والكمبيوتر وصرنا نجلس (إما اضطراراً أو تعاجزاً) ساعات وساعات حتى ضَعفت صحتنا ومرضت أجسادنا من كثرة الجلوس. اخترعنا الهاتف فصارت مكالمة للأجداد أو الأعمام والأخوال تكفي ولا حاجة للزيارة. سرّعنا كل شيء فتسارع مع ذلك قلقنا وتوترنا، وصار الضغط النفسي وباءً شاملاً أمطر العذاب والدمار على البشرية.
ماذا استفدنا من هذه التقنية بعد أن استفحلت فينا أمراض القلق؟ وبماذا تُعزّينا هواتفنا المدهشة بعد أن انقطعنا عن الأقارب والأصدقاء وانشغلنا عنهم؟ وكيف ستعوّضُنا الأطعمة اللذيذة بعد أن سَلَبتنا صحتنا وملأت أجسامنا بالسكاكر القاتلة والكيميائيات الضارة؟
المزيد من التقنية يجلب المزيد من المرض. هذه إحدى معادلات عصرنا الحديث، والغبطة للأولين ومعيشتهم البسيطة الخالية من بروزاك و زاناكس وأدوية الكولسترول والضغط والسكر.