فهد بن جليد
هيئات سياحية في ولاية (كوينزلاند) الأسترالية، أعلنت قبل نحو خمس سنوات عن مناطق خالية من الهواتف الذكية والأجهزة المحمولة - على طريقة المناطق الخالية من التدخين - وذلك في مدينة (صن شاين كوست) ضمن حملة لمساعدة السياح هناك للاستمتاع بأوقاتهم بعيداً عن الانشغال بالعالم الافتراضي، الذي سرق من زوار المدينة المُطلة على المُحيط الهادئ اللحظات الجميلة التي قدموا من أجلها، وقد فُرضت قوانين صارمة - آنذاك - على الفنادق والنُزل لتوعية السائحين بضرورة عدم اصطحاب هواتفهم معهم أثناء الخروج للشواطئ، ولا أعرف هل هذه المناطق السياحية ما زالت حتى اليوم خالية من الهواتف المحمولة أم لا؟
الفكرة بحد ذاتها لطيفة وتحوي معاني قيمة, تنبهنا لضرورة التخلص من سطوة التقنية, وتأمُّل الواقع المُحيط بنا والاستمتاع به أكثر، وهنا أذكر أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية - وبحسب رويترز- حظرت استخدام الهواتف المحمولة في بعض الأماكن العامة ووسائل النقل عام 2001م، بعد أن تذمَّر النَّاس من كثرة المُتحدثين في الطُرقات والقطارات، ما دعا السُلطات لفرض قواعد صارمة لإجراء مُكالمة أمام حشد من النَّاس، تعتمد على خفض الصوت، والاختصار، وعدم إقحامهم في شؤونك الخاصة، أو انتهاك خصوصيتهم، حبات السبحة انفرطت في السنوات التالية على مستوى العالم، فبات من الصعب أن تُمضي يوماً دون أن تستخدم هاتفك الذكي أو تجري مُكالمة، وهو ما يصفه الكاتب البريطاني (توم شاتفيلد) بمُحاولة التغلب على العادات التي تُسيطر على حياتك اليومية بعيداً عن احتياجاتك الحقيقية - بالمناسبة - شاتفليد قدم نصائحة لسياح أستراليا بادئ الأمر، ولكنه سرعان ما نشر للعالم مدونة على موقع الـBBC حول سلوك استخدام الهواتف المحمولة، تتضمن سبع قواعد جديدة من الضروري التعرف عليها حتى تتواءم حياتك مع التقنية، من ألطفها ضرورة أن تكون إنساناً حقيقياً وليس آلياً، بتذوق المشهد بحواسك الخمس قبل توثيقه ومُشاركته الآخرين عبر وسائط التواصل الاجتماعي، هكذا هم في الغرب يحاولون التخلص من الآثار السلبية للتقنية التي ابتكروها بالعودة للطبيعة، بعكس ما يحدث في عالمنا العربي الذي تعيش أجياله المُتصاعدة تشتت الانتباه، والتشويش الذهني، وكأنَّنا نعيش على سطح الشاشة بدلاً من الأرض، ونُشاهد الحياة من خلال عدسة الهاتف فقط، دون أن نرفع رؤوسنا قليلاً لنتأمَّل ونفهم ما يحدث أمامنا بأعيننا الطبيعية.
هناك مُجتمعات بدأت علاج إدمان الهواتف الذكية في (مراحلة المُتقدمة) بواسطة الأدوية والعقاقير الخاصة بالاكتئاب والأمراض النفسية والسلوكية، مع ظهور مراكز عالمية مُختصة بالعلاج المعرفي والجمعي لداء الهاتف المحمول، عليك اليوم الاختيار بين التخلص من هاتفك (طوعاً) بشكل آمن، واستخدامه بتعقُّل، وبين الحاجة مُستقبلاً لزيارة إحدى هذه المصحَّات.
وعلى دروب الخير نلتقي.