نجيب الخنيزي
كذبة امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، وتحالفه مع التنظيمات الإرهابية، لم تنطلِ على أحد، بما في ذلك وفي مقدمتهم مطلقوها، وتحولت إلى ما يمكن اعتبارها ملهاة/ مأساة في آن واحد.
فالملهاة كانت في إصرار الولايات المتحدة على موقفها التصعيدي، وإنهاء ما تبقى من مقومات الوحدة الوطنية/ المجتمعية، حتى لو تعارض ذلك مع مبادئ القانون والشرعية الدولية، وقرارات مجلس الأمن، والأغلبية الساحقة من شعوب العالم الرافضة لسياسة الحرب على العراق التي انتهجتها الإدارة الأمريكية السابقة. ومع أن كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة وكونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي تحدثا عن مشاركة أكثر من 40 دولة في «تحالف الراغبين» غير أن المشاركة الفعلية في قوات التحالف لم تضم بصورة مباشرة سوى قوات بريطانية. وبالطبع، فإن العديد من الدول (بينها إسرائيل وإيران) قدمت أنواعًا مختلفة من الدعم السياسي واللوجستي أو الاستخباري؛ وذلك من منطلقات مصلحية، أو تجاوبًا مع الضغوطات الاقتصادية والسياسية والإعلامية الواقعة عليها.
والمأساة هنا تكمن في اقتناع وتصديق الإدارة الأمريكية السابقة والرئيس جورج بوش - على وجه التحديد - لهذه الأكذوبة (تحرير العراق) التي فبركتها القوى اليمينية/ الأصولية المتشددة والمتحالفة مع اللوبي الصهيوني القوي والمؤثر في الإدارة الأمريكية ومراكز صنع القرار داخل الولايات المتحدة.
بل جرى تصوير هذا المخطط الاستعماري (الكولونيالي) للهيمنة والسيطرة على مقدرات العراق والمنطقة، وفرض وحدانية القطب الواحد على الصعيد العالمي، باعتباره تعبيرًا عن «إرادة إلهية»! وقد عبَّر عن ذلك الرئيس بوش حين قال: «لا يمكن المساومة على هذه القيم التي نحملها ونتمسك بها، وإذا كانت هذه القيم خيرة بالنسبة لشعبنا فإنها كذلك خيرة بالنسبة للشعوب الأخرى».
غير أن هذه القيم «الإلهية»! جرى تسويقها واختبارها في العراق من خلال الصواريخ والقاذفات والأسلحة «الذكية» التي صبت حممها على شعب العراق، وقتلت وجرحت مئات الآلاف من المدنيين، ودمرت البنية التحتية، وعطلت محطات الكهرباء والمياه، وأحرقت مخازن الغذاء والأدوية، ووصل الأمر إلى تدمير السيارات والباصات بمن فيها من النساء والأطفال والشيوخ. كما تجسدت في سجن «أبو غريب» وما ارتُكبت فيه من بشاعات وجرائم بحق المعتقلين.
التضليل الذي مارسته إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن، وخصوصًا مزاعمها بامتلاك النظام السابق أسلحة التدمير الشامل، وتحالفه مع التنظيمات الإرهابية، سرعان ما تكشف؛ وهو ما أدى إلى استقالة العديد من المسؤولين الأمريكيين.
في حقيقة الأمر إن الاحتلال الأمريكي للعراق، وتدمير مقومات الدولة العراقية، وفي مقدمتها الجيش، وما خلفه من مآسٍ وفظائع تقشعر لها الأبدان، إلى جانب وجود إفرازات الاحتلال المتمثل بنظام المحاصصة الطائفية، هي من العوامل الرئيسية في وجود التنظيمات الإرهابية كالقاعدة، وداعش التي سيطرت على مناطق واسعة من العراق حتى وقت قريب.
أوضاع الشعب العراقي لم تتحسن على الإطلاق، سواء أثناء الاحتلال الأمريكي، أو بعد خروج القوات الأمريكية في عام 2011؛ إذ بات العراق نموذجًا للدولة الفاشلة من جهة تفاقم الصراعات والاصطفافات الطائفية والإثنية للمجموعات والقوى الطائفية على اختلاف مكوناتها ومنحدراتها، التي أضعفت إلى حد كبير وحدة الشعب والكيان العراقي، إلى جانب التدهور المستمر في أوضاع الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي من جراء استفحال الفساد، وانعدام الأمن، واتساع رقعة الفقر والبطالة، وتردي الخدمات العامة كالتعليم والصحة والمياه والكهرباء. مجمل الأزمات التي يعاني منها العراق تتطلب أكثر من أي وقت مضى توافقات على القواسم الوطنية المشتركة بين المجموعات والمكونات المذهبية والإثنية والسياسية كافة، وصولاً إلى إقرار دستور عراقي جديد، يرسخ مفهوم الدولة المدنية التعددية العابرة للهويات الفرعية.
نأمل بأن تكون الانتخابات التشريعية القادمة بمنزلة فرصة تاريخية لبداية مرحلة جديدة مفعمة بالأمل نحو إعادة بناء مقومات وحدة وتقدم العراق وشعبه الشقيق.