د. محمد عبدالله الخازم
يبدو أن هناك مدرسة رائجة في الإدارة، تتمثل في بعض المسؤولين المترددين، وتعرف سلوكياتهم ليس من خلال المظاهر، فالمنصب يمنح هالة تجعل المسؤول يتظاهر بالغرور ويقدسه من حوله حتى ليخيل إليك أنه أصبح حتى في سلامه على بواب العمارة يحكي حكماً ويتواضع خلقاً ويتجلى بدراً.
في حياتي عملت مع مسؤولين أشكالاً وأصنافاً، بعضهم أحببت شجاعته وفق مبدأ بسيط؛ كانوا يقولون «لا» كما يقولون «نعم». وبعضهم يتردد أن يقول لك «لا» النظام لا يسمح أو لا استطيع تلبية طلبك، فيماطلك حتى تستحي من حالك وتشعر بأسى على كرامتك التي أهدرتها تطارد من لا يستحق من مكان لآخر لتحظى بجوابه. يتهرب من مواجهتك وحين تلتقيه يقول لك، طيب انتظر.. خير إن شاء الله.. سندرس الموضوع، وهو يكذب داخله ويبيت النية لرفض طلبك.
نحتاج تعليم القيادات لدينا أهم درس في الإدارة وهو القدرة على قول لا كما قول نعم. نحتاج أن يفهم القادة بأن تسويفهم يهدر أوقات الناس ويربك مخططاتهم ويحبط معنوياتهم. لكل مسؤول أقول؛ ما هو المانع أن تقول لا أسف غير ممكن بدلاً من المماطلة، تمنح صاحب الحاجة ابتسامه صفراء، أو تختبئ خلف مسؤول أصغر منك ليقول كلمة لا. هل تعتقد أنك تحل المشاكل والمواضيع بمجرد الابتسامات وتأجيل القرارات أو اتخاذها بطريقة غير لائقة بكرامة المنتظرين لها والمتأثرين بها. أنت تراكمها ولا تسعد الناس وإن ابتسموا في وجهك لأجل حاجتهم إليك، بل تقودهم للحديث عنك بالسوء وتعداد خصال التردد والتسويف فيك.
لست أتحدث عن تجربة بذاتها، فهذه النوعية من المديرين المترددين الخائفين موجودة وحتماً ستجدونهم أو وجدتموهم في طريقكم يوما ما. ربما هي متعة للقائد أن يطارده الناس ويترجونه وربما هو تعود ذلك أو ربما يعتبرها حسن خلق. هذا النوع من القادة قد يجد التهرب من المواجهة طريقة مناسبة مع أصحاب الحياء والمثاليين الذين لا يحبون هدر كراماتهم بالترجي والمحاولات. اللحوح ومن ليس لديه الحساسية في المداهنة والترجي لا تفرق معه هذه الأساليب، و مؤسف أن يكون الكاسب الأكبر الذي يجيد التعامل مع هذه النوعية من القادة هم اللحوحون والمتملقون وليس بالضرورة الأكفياء..
وما يزعج أكثر أن يقدم أولئك المترددون على أنهم قادة يجب التعلم منهم ومن أساليبهم. القيادة شجاعة، والشجاعة ليست في فصل أو إيذاء موظف صغير بطرق غير مباشرة أو نهر مراجع مسكين، بل في وضوح القرارات والتعامل مع الناس بلغة صريحة. الصراحة تعني وضوح واتخاذ القرار بطريقة مباشرة ومؤدبة وشفافة. الصراحة عندما تكون وفق مبادئ العدل لا تزعج، بل يتقبلها الناس ولو بعد حين، وحتى ولو تعارضت مع مصالحهم الأنية الضيقة.
الابتسامة والكلمات الرنانة بدون قرار مجرد مسكن ما يلبث الناس أن يكتشفوا زيفها فتتحول إلى ابتسامة صفراء وتتحول الوعود إلى تسويف والشجاعه إلى لؤم. فهل يدرك القادة ذلك؟ هل يدركون أن الشجاعة والحكمة وفن القيادة أن تتمكن من قول «لا» كما تقول «نعم» وأن التردد في القرار سلباً أو إيجاباً هو ضعف لا يليق بالقائد الحقيقي.