محمد آل الشيخ
نظام الملالي الحاكم في طهران ينتظرون الثاني عشر من مايو بترقب وخوف شديدين، ففي هذا التاريخ تُفصح الولايات المتحدة عن موقفها الرسمي حيال تجديد الاتفاقية النووية مع إيران، والأوربيون ومعهم روسيا والصين يعلمون أن أمريكا لو انسحبت من الاتفاقية النووية، فالإيرانيون، ومعهم نظام الملالي الحاكم في طهران، سيعانون من سنين اقتصادية عجاف ستكتنف اقتصادهم المثقل بالمشاكل التي لن يحلها إلا التزام أمريكا بالاتفاقية.
الفرنسيون ممثلون في رئيسهم إيمانويل ماكرون حاول إقناع الرئيس الأمريكي للبقاء ملتزما بالاتفاقية، وثنيه عن الإنسحاب، وعندما تعذر عليه ذلك، حاول إيجاد حل وسط، يُبقي الاتفاقية، ويضيف إليها ملاحق إضافية جديدة، من شأنها أن تأخذ ملاحظات البيت الأبيض في الاعتبار، وهذا ما حدا بالإيرانيين بالإعلان عن رفضهم لأية إضافات جديدة،؛ لكن من يقرأ أوضاع إيران، خاصة من الداخل والتزاماتها التوسعية في الخارج، يجد أنها تمر بأزمة اقتصادية خانقة، وغاية في الإلحاح، شبيهة بأزمتها الاقتصادية أثناء الحرب العراقية الإيرانية؛ فالإيرانيون طوال أمد تلك الحرب التي استمرت لثماني سنوات كانوا في البداية يزايدون على الصمود والمقاومة والتحدي، غير أنهم رضخوا في النهاية إلى السلام مع صدام رغم أنوفهم، وأذعن الخميني راغما على إيقاف الحرب.
وما أشبه ليلة خامنئي ببارحة الخميني، فتدهورهم الاقتصادي، وتدني قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المالية، لن يحلها إلا الرضوخ لشروط ترامب راغمين لا مختارين. وليس في أيدي الإيرانيين كورقة ضغط على العالم الغربي والشرقي إلا ورقة تخصيب اليورانيوم، وهذا ما يرفضه العالم الغربي وكذلك إسرائيل ومعها دول الجوار العربي رفضا كاملا؛ فضلا عن أن التخصيب لن يُقدم للشعوب الإيرانية الجائعة لقمة عيش، بقدر ما تدخل أوضاعها الاقتصادية وعملتها (التومان) في تدهور لا أعتقد أن قمع الحرس الثوري يستطيع أن يحتويه.
لذلك، فأنا أعتقد جازما أن الملالي سيرضخون للشروط الأمريكية الجديدة رغم أنوفهم، ويقبلون بالملحق الإضافي الذي اقترح الرئيس الفرنسي إلحاقه بالاتفاقية، المتعلق بوقف تطوير الصواريخ الباليستية والحد من توسعاتها في المنطقة وعدم مساندة الإرهاب.
لكن الذي يجب أن نعيه جيدا أن إيران دولة دينية كهنوتية، طارئة على توجهات ومزاجات الشعوب المعاصرة، ولن تتنازل عن حلمها بإنشاء جمهورية فارس الصفوية، ربما أنها قد تتنازل مؤقتا لاضطرارها لذلك تكتيكيا، ولكنها ما إن تجد فرصة أخرى سانحة، أو يصبح في البيت الابيض رئيسا ديمقراطيا، كالرئيس الرعديد «أوباما»، فإنها ستعود لإحياء أجنداتها القديمة.
الأوربيون ينظرون إلى إيران كأرض بكر وذات فرص تجارية جذابة للاستثمار فيها، وهذه الجاذبية الاستثمارية هي التي أسالت لعاب زعماء أوروبا، وأخشى ما يخشونه أن تدخل إيران بسبب وضعها الاقتصادي الحالي في حروب ونزاعات بين مكوناتها، ذات الإثنيات والطوائف والمذاهب المختلفة، مما يُفوت على شركاتهم الاستثمار فيها؛ وهذا تحديدا ما يقلقهم.
وسواء قبلت إيران بالشروط الجديدة للاتفاقية المعدلة، أو رفضتها، فإننا يجب أن نعمل بكل قوة على إثارة كل ما من شأنه إشغالها داخليا عنا، بالشكل الذي يجعل هذا الغول المتوحش والمتربص بنا يكف شره عن أمننا واستقرارنا.
إلى اللقاء