ياسر صالح البهيجان
تزايد حالات الإصابة بمرض الجرب يعيدنا مجددًا إلى مربّع البيئة الملوّثة وغير الصحيّة وتحديدًا في الأماكن ذات التجمعات السكانيّة الكثيفة، وفي مقدمتها أعزكم الله مياه الصرف الصحي التي مع الأسف لا يشمل تصريفها 40 بالمائة من السكّان.
معظم الأوبئة تأتي نتيجة طفح المياه الملوثة في الطرقات والأماكن العامة، حيث تنتشر فيها الحشرات الناقلة للأمراض وتزداد معدلات البكتيريا والطفيليات والفيروسات الضارة، وفي ضوء تلك الحالة تنتج الحالات المرضية المعدية التي تنتقل بسرعة يصعب ملاحقتها، ما يفرض أهميّة اتخاذ تدابير استباقية تمنع عوامل تلوث المياه من جانب، وتوفر خدمات تصريفها والتخلص منها بطرق آمنة وصحية من جانب آخر.
وإن كانت المياه الملوثة أحد عوامل تدهور البيئة، فإن النفايات وتكدسها لفترات طويلة هي الأخرى تسهم بشكل مباشر في تكوين الأوبئة وانتشار الأمراض، ولا تزال آليّات التخلص منها في عدد من المناطق بدائيّة، وأحيانًا تمكث المخلّفات مددًا طويلة داخل الأحياء السكنيّة والعشوائيّات، مما يزيد الوضع سوءًا ويجعل المنطقة موبوءة ومهيأة لانتقال الأمراض فيها.
أعتقد بأن وزارة البيئة والمياه والزراعة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بمسارعة الجهود لتوسيع تغطية خدمات الصرف الصحّي للسكّان غير المشمول بها حاليًا، والتعاون الأكبر فيما بينها وبين الجهات المعنيّة داخل المدن والمحافظات لوضع حلول استباقيّة تعالج أزمات التلوث البيئي، والانتقال من ردة الفعل إلى الفعل، بحيث لا تكون التحركات الجادة مقرونة بتفشي وباء معيّن كما هي حادثة مرض الجرب.
وإن كانت الجهات الحكومية المعنيّة بالبيئة مسؤولة في المقام الأول، إلا أن السكّان أيضًا شركاء في الحفاظ عليها وجعلها أقل تلوثًا، وذلك بتوقفهم عن رمي المخلفات في الأراضي الفضاء، وعدم الالتزام بإخراج النفايات في الأوقات المحددة لضمان مكوثها أقصر مدة ممكنة، وتفريغ بعض أصحاب المصانع للمياه الملوثة الناتجة عن أعمالهم اليومية بطرق عشوائية وبالقرب من التجمعات السكانية دون تقيّد باللوائح والأنظمة.
نريد أن نجعل من أزمة مرض الجرب التي انتشرت بين الآلاف من السكّان درسًا يجعلنا ندرك أهميّة التحركات المبكّرة، ونعلم خطورة غض الطرف عن البيئات الملوثة. لدينا الإمكانات المالية والبشرية والتقنيّة التي تؤهلنا لبناء بيئة صحيّة وآمنة للسكّان، ما دمنا نتطلع لتحقيق رؤية طموحة جعلت من الإنسان أولويّة لها.