ولاء حواري
نعم.. أنا من الجيل الذي أنتظر لـ30 عاما أو تزيد لأقود سيارتي وانتظرت مثلها للجلوس في مقعد سينما في بلدي مع أسرتي.. ومثلها لحضور مسرح وأوبرا وحفل غنائي.. دون أن أحتاج لأن أقتطع إجازة من أيام عملي - قد وقد لا أحصل عليها حسب رضا العمل! - ودون أن أتكلف تذاكر سفر وإقامة فندق ومصروفات تثقل كاهلي أقضي بقية العام في التحايل عليها!
نعم.. أنا من الجيل الذي واظب على دروس تحفيظ القرآن في المدرسة الحكومية وافتخرت بأني حصلت على شهادة تقدير فيها.. وتابعت أبي وأخوتي وهم يتجهزون لصلاة الجمعة.. كل جمعة وبحرص.. واستيقظت على صوت جدتي وهي تتلو القرآن في صالة المنزل.. نعم.. أنا من الجيل الذي يسكت صوت الراديو والتلفزيون وقت الأذان.. وأنا من جيل ينتظر الشيخ علي الطنطاوي- رحمه الله- بشغف بعد صلاة المغرب في رمضان وقبل متابعة المسلسل اليومي.
نعم.. أنا من الجيل الذي يحفظ آيات وأحاديث ويعلم أن حُرمانيه الموسيقى حولها جدل! والذي «شخّط» على رقبة الحيوان في كتب العلوم! ثم تصوّر من أجل جواز السفر وبطاقة الأحوال والفيزا الأوروبية! أنا من الجيل الذي ارتدى العباية الخفيفة المرفوعة والشيلة الشفافة ، وارتدى عباية الراس - إجباري في المدرسة- والذي يرتدى الآن عباية ملونة وطرحة ملونة!
نعم.. أنا من الجيل الذي تعلّم وعمل وسافر وقاد سيارة في كل دول العالم.. وتعرّف - وتقبّل- ثقافات أخرى.. وحرص على نقل صورة - إلى حد ما- متوازنة عن ثقافته ودينه.. من الجيل المتمسك بثقافته ومنفتح على ثقافات الآخرين.. من الجيل المعترف بأن هناك حضارات أخرى كلما قربنا منها زدنا ثراءً معرفيا وتعلمنا كيف ندمج بين ما نملكه ويملكه «الآخر» حتى نخرج بعصارة إنسانية واقعية..
نعم.. أنا من الجيل المتراوح ما بين «الطيبين» ومن يليهم.. والذين لا يزالون طيبين وبطريقتهم! الذين يعشقون حكايات الجدة.. وفوانيس رمضان.. ومسلسلات رمضان.. وصوت مدفع الإفطار.. وإفطار الجمعة المتأخر بعد الصلاة.. و»كشتة» البرّ.. ويُغرمون أيضاً بالفنون المختلفة والمتاحف والمسرحيات العالمية والبالية والأوبرا..
كل هذا وأكثر تداعى لذهني وأنا- أخيرا - أجلس في مقعد مريح في أجواء حضارية راقية وأستمتع وغيري العشرات من العوائل السعودية.. بعزف الأوركسترا الفرنسية L›ORCHESTRE DE CHAMBRE DE FRANCE.. في مدينتي الحبيبة.. في الرياض ..بلد الطيبين..