حمّاد السالمي
* لا يختلف اثنان؛ على أهمية خطبة الجمعة في حياة المسلمين، وأنها تمثل قيمة كبيرة، دينية واجتماعية وتوعوية وثقافية كذلك. إن الخطبة المنبرية الأسبوعية التي يستمع إليها المصلون في كافة الجوامع؛ لها أثر كبير في توجيه الرأي العام؛ الذي غالبًا ما يثق في الخطيب، ويأخذ كلامه على أنه التوجيه الديني الذي جاء به القرآن الكريم والنهج النبوي الشريف منذ أربعة عشر قرنًا، من دعوة للتعاضد والتكاتف، وحظ على الخير، ودفع للشر، وتجنب للباطل. فديننا الإسلامي الحنيف؛ يوجب علينا كمسلمين موحدين؛ التعايش والتعاون فيما بيننا على أمور ديننا ودنيانا، وقد حرم علينا عز وجل؛ كل ما يثير الفتن أو يؤدي إليها.
* ومع احترامنا لإخوتنا خطباء الجمعة في المملكة؛ الذين ينوف عددهم على ستة عشر ألف خطيب؛ فإن البعض منهم يتأثرون- ربما- بما يقرؤون ويشاهدون ويسمعون، فينعكس كل هذا على طرحهم في خطبة الجمعة، فتشعر وأنت تسمع له، أنك أمام نشرة إخبارية، حتى عن وقائع غير ثابتة وغير صحيحة أحيانًا، وفتاوى لا تتفق وما هو عليه كبار العلماء الثقاة، وأن خطبته تتبنى وجهات نظر حزبية أو فئوية وطائفية، وتحمل آراء شخصية، وتعكس مواقف الخطيب نفسه لا المنبر الذي هو ملك للدولة والوطن، وفي هذا ما فيه من تسييس وخطر عظيم على العلاقة بين الحاكم والمحكوم، الأمر الذي قد يجر السامع من الشباب إلى التطرف، وقد يفتح على الفتنة والغل والكراهية؛ خاصة إذا تكرر الكلام على تصنيف المجتمع، وتقصد الإساءة لبعض مسئوليه ورموزه، وتشويه صور بعض أبنائه تصريحًا أو تلميحًا، والتشكيك في توجهات الدولة، واستغلال بعض الصغائر لتصبح كبائر.
* إن من أبسط حقوق الوطن والمواطنين؛ المطالبة بتوحيد عناوين ومضامين خطبة الجمعة في كافة الجوامع، حتى نستمع إلى خطب جمعة رصينة، تحترم عقول المصلين، وتقدر أوقاتهم، وتركز على همومهم اليومية. إن منبر الجمعة ليس ملكًا لخطيب أو واعظ، ولكنه ملك للدولة التي ترعاه، فلا ينبغي أن ينتصر لفئة دون أخرى، أو يحرض على طائفة، أو يؤلب على الدولة ومؤسساتها، ويجب تجريم استغلال هذا المنبر من قبل البعض من منطلقات شخصية أو حزبية ومذهبية، بل ومحاسبة كل من اقترف مثل هذا.
* كانت خطبة الجمعة في أصلها وما زالت؛ للوعظ والإرشاد بالحسنى، دون الدخول في الفتاوى الفقهية التي لها علماؤها وأربابها، وليست لتكرار ما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي اليوم؛ من فتاوى ومواقف سياسية لسنا معنيين بها والحمد لله في بلادنا، ذلك أن للسياسة أهلها. خطبة الجمعة كما عرّفها فقهاء المسلمين من تقدم منهم ومن تأخر؛ هي عبادة من شعائر الله التي يجب تعظيمها وتوقيرها وترشيدها، لكي تنشر ثقافة الحب لا ثقافة الكراهية. والجامع مكان لتوعية الناس في وطنهم الواحد، وتوحيد صفهم، لحفظ أمنهم واستقرارهم.
* لقد سعت وزارة الشئون الإسلامية مشكورة منذ أربعة أعوام؛ إلى تنظيم من هذا القبيل، يحقق توحيد خطبة الجمعة، ويقضي على بعض الاجتهادات التي لا يحالفها التوفيق في كل مرة، وراقبت وحاسبت العديد من الخطباء المتجاوزين غير المنضبطين، وتكررت تصريحات لقياديين فيها ومنهم نائب الوزير الدكتور توفيق السديري؛ تشير إلى قرب توحيد خطب الجمعة، ثم إنها بدأت فكرة توحيد الخطبة؛ بأن عمّمت على جميع المساجد والجوامع؛ بالعمل على توحيد الخطبة عند: (نوازل وحوادث معينة فقط دون الدخول في المحتوى). بل وبادرت إلى توزيع (موسوعة خطب الجمعة) على فروع الوزارة الرئيسية، ومن ثم تسليمها لخطباء الجوامع للاسترشاد بها والاستفادة منها، وهذه الموسوعة قد تم إعدادها من قبل فريق علمي، وقُسمت إلى أربعة مجلدات هي: (العقيدة، العبادات، الأخلاق، السلوك، الرقائق، الأسرة)، وتناولت الموسوعة مواضيع شاملة يمكن للخطيب أن يسترشد بها طوال العام، وروعي فيها الهدي النبوي في الخطب، وتحمل الفائدة للمجتمع بأسلوب ميسر ووسطي معتدل. واشتملت على أبرز المواضيع التي تعالج حاجة الناس في عقيدتهم وعباداتهم وحقوق ولاة الأمر. ومع ذلك، فنحن ما زلنا في حاجة إلى تنظيم ملزم للجميع بخطبة موحدة تشرف عليها الوزارة، خاصة ووسائل الوصول والتواصل مهيأة إلكترونيًا بين الوزارة وفروعها، وبينها وبين كل خطيب جمعة على جهازه المحمول.
* يقول بعض الإحصاءات؛ إن في المملكة أكثر من 78 ألف إمام وخطيب ومؤذن وفراش، وأن عدد خطباء الجمعة وحدهم يفوق 16 ألف خطيب، وفي حالة توحيد خطبة الجمعة وتوجيهها التوجيه السليم بإشراف الوزارة؛ فإن 16 ألف منبر من 16 ألف جامع في وطننا الحبيب، سوف تنادي بصوت واحد إلى الوحدة الوطنية، ومعاضدة ولاة الأمر، في جهودهم المباركة لدرء الفتن وحفظ الأمن، وتحقيق التنمية المستدامة الشاملة من خلال (التحول الوطني 2020) و(رؤية المملكة 2030).
* إن توحيد خطبة الجمعة يحقق جملة أهداف منها: القضاء على الارتجالية، وتحقيق المنهج الشرعي والوطني المنضبط، والبعد عن تبني أفكار هدامة، طابعها التأليب والتحريض والتشكيك.