د. عبدالحق عزوزي
عُقد مؤخرا في القاهرة مؤتمر دولي متنوع في انتماءاته وكفاءاته بعنوان «المنتدى العربي الإفريقي للتعاون الإستراتيجي لمواجهة الإرهاب والتطرف بالفكر والثقافة». وشاركت في المؤتمر شخصيات عربية وإفريقية بارزة، كما حضرها مسؤولون سابقون في الحكومات الإفريقية وعدد من النشاطين والمهتمين بالتعاون العربي الإفريقي، خصوصًا في مجال مكافحة الإرهاب.
ونتج عن مناقشات المؤتمر إصدار توصيات من المجتمعين تحذر بعضها من المشاريع الطائفية والإقليمية التي تهدف إلى تقسيم الدول، كما تقر بإنشاء أمانة عامة للمنتدى في القاهرة وإنشاء مراكز دراسات تختص بالتعاون العربي الإفريقي لمكافحة الإرهاب... في تدخلي كنت على خطى الصديق معالي وزير خارجية مصر السابق الأستاذ محمد العرابي، منظم المؤتمر والمعروف بحكمته ووطنيته وبعد نظره، فالكثير من الدواعش اليوم والعديد من الإرهابيين يجدون في بعض الدول الإفريقية ملاذا لهم؛ إذ الدول هناك ضعيفة، والمؤسسة الأمنية غير قادرة على حماية حدودها بتمكن، ولا على محاربة تغلغل الحركات الإرهابية العابرة للبلدان والقارات. وإذا كان التدين الصوفي الشعبي هو الحاضر منذ القدم في تلكم المجتمعات لعوامل تاريخية، فإن الاتجاهات المحافظة المتزمتة بدأت تطرق أبواب تلك الدول بطريقة مثيرة، إلى أن وصلتها الجماعات والحركات الإرهابية القادمة من الجزائر والصومال والنيجر، وهي اتجاهات لم تعهدها دول في السابق كالنيجر حيث يمثل فيه المسلمون 60 في المائة وهم مالكيون سنيون، وبوركينا فاسو، والمسلمون فيه مالكيون.
ولا يخفى على كل متتبع للأنظمة السياسية في هاته المنطقة الجغرافية الحساسة الممتدة بين ليبيا وتشاد ومالي والنيجر وبوركينا فوسو أنها أنظمة خاوية على عروشها لا من حيث التمثيلية السياسية ولا من حيث الإمكانيات الاقتصادية ولا القدرة الشرائية للمواطنين ولا الحضور الأمني والعسكري الفعال في داخل المدن وعلى الحدود، لتبقى فريسة للتنظيمات الإرهابية التي بدأت تنظر إليها كمنطقة صالحة للاستيطان واستقطاب البشر وتنفيذ العمليات. وهناك ميزة تنعم بها هاته التنظيمات في هاته المناطق الشاسعة خلافا لأخواتها في سوريا والعراق، أنها تستفيد من عائدات التجارة في المخدرات والأسلحة والبشر في إطار علاقات متداخلة وأخطبوطية مع منظمات الجريمة الدولية ومع قبائل وإثنيات كالطوارق في مالي أو تلك التي بجوار البحيرة الكبرى في التشاد، وهاته التجارة تدر على التنظيمات الإرهابية كالقاعدة والمرابطين، والتي تدعي أنها على نهج الملة الصحيحة وذات المأكل والمطعم والمشرب الحلال، حسب مكتب الأمم المتحدة لشؤون المخدرات والجريمة نحو أربعمائة مليون دولار في السنة، لتصبح تلك الدول منطلقا آمنا للمخدرات (كالكوكايين مثلا) إلى أوروبا عبر غرب إفريقيا، ولتباع الأسلحة التي تأتي بحرا إلى بنين وتوغو في كل دول المنطقة. هذا الوضع المؤلم الذي تعاني منه هاته الدول والتي مازالت ستعاني منه مستقبلا بسبب تنامي هاته التنظيمات الإرهابية، ما كان ليتقوى لولا غياب الدولة في ليبيا.
فهناك تداخل قوي بين الانفلات الأمني، وظهور الدواعش في ليبيا وانتشار الفوضى، وما يجري في منطقة الساحل وغرب إفريقيا. ولم يمنع تواجد القوات الفرنسية ذات الحضور الاستعماري القديم في المنطقة، وحضورها العسكري المكثف من الحيلولة دون مقدم وتطور الإرهاب، والذي سيحدث مع مرور الزمن شرخا عظيما في كينونة ومستقبل الأجيال؛ فالقوات العسكرية الفرنسية هي متمركزة بقوة في مالي منذ تدخلها العسكري يوم 11 يناير 2013، وأعادت نشر حوالي ثلاثة آلاف من قواتها في منطقة الساحل الإفريقي؛ والخبراء يعرفون أن لها قاعدة عسكرية في تشاد تنطلق منها طائراتها وقواتها الجوية ولها قوة عسكرية برية في بوركينا فاسو وقاعدة عسكرية في ساحل العاج مخصصة للإمدادات اللوجيستية. وأهل الاستراتيجية والخبراء يعرفون غناء المنطقة وما تتوفر عليه من يوناريوم (فالنيجر تمد فرنسا بـ35 في المائة من احتياجاتها من الطاقة النووية) وهاته الخيرات تسيل لعاب دول كبار كالولايات المتحدة الأمريكية والصين، لتستثمر الدول مصالحها الخاصة وتجعل منها منطقة داخلة في إطار أمنها الحيوي والاستراتيجي، وليدعي البعض منها أنها تحارب بجد جرثومة الإرهاب القادم من خارج الحدود أو المتولد من رحم الدول ولكن في الحقيقة شعوب المنطقة هي التي تؤدي فاتورة استنزاف خيرات المنطقة من الدول الغربية، وتؤدي ثمن نفاقها عندما لا تفكر إلا في مصالحها الخاصة، وهي التي تؤدي في الأخير ثمن تواجد وتوالد الحركات الإرهابية.