فهد بن جليد
أتمنى أن تعتمد وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد وبالتنسيق مع الهيئة العامة للأوقاف قراراً بربط بناء مسجد جديد, (بوقف) يدر عليه مالاً للأبد، يتم صرفه على العناية بالمسجد واحتياجاته والاهتمام به وبمرافقه بشكل مناسب، وهذا ليس أمراً جديداً فأغلب المساجد على مدى التاريخ قامت على الأوقاف في مُتطلباتها البسيطة والمحدودة، أمَّا اليوم فاحتياجات المساجد زادت من فرش وأجهزة صوتية ووسائل راحة وتكييف، وضروريات صيانة للمسجد والمباني المُلحقة كدورات المياه وأماكن الوضوء ... إلخ، والأمر بسيط فكما يتم اشتراط بناء بيت للإمام والمؤذن في أغلب المساجد، الأولى أن يتم اشتراط بناء ملاحق بالمسجد وتخصيص بعض المحلات به كوقف للصرف عليه، ويمكن أن تُستثنى هذه المحلات من شروط البلدية لتكون مرافق تجارية تُمارس نشاطاً يتوافق مع هيبة ومكانة دور العبادة.
اللافت أنَّ المُحسنين السعوديين - جزاهم الله خيراً - ينفقون ملايين الريالات في بناء جامع أو مسجد بأحدث طراز معماري، ويزوِّدونه بأحدث أنظمة التكييف والفرش ... إلخ، ويلحقون به بيتاً للإمام وآخر للمؤذن، وربما مكتبه ونحوها..، وقليل منهم يفكر في تخصيص جزء من هذه المبالغ الكبيرة التي صرفت على إنشاء وإعمار المسجد أو الجامع (كوقف دائم) مُلحق به، يضمن أن يؤدي هذا المسجد أو الجامع دوره في كل الأزمنة دون انتظار الشركات التي تتعاقد معها وزارة الشؤون الإسلامية مشكورة من أجل أعمال الصيانة، أو اضطرار الإمام إلى حث المصُلين على المُساهمة في الإصلاحات، رغم المبالغ الطائلة التي قدمها المُحسن وصرفها عند بناء المسجد أو إنشاء الجامع، بادئ الأمر وهو ما نحتاج معه إلى زيادة الوعي المُجتمعي بأهمية الأوقاف ودورها.
مثل هذا التوجه سيجعلنا أمام حالة مُختلفة لمساجدنا الجديدة، لنجعلها بالفعل تظهر في كل وقت وحين بأفضل صور العناية والرعاية والاهتمام, بشكل مُستقل وعبر (الاكتفاء الذاتي) أو جزء منه على الأقل، لتتوافق مباني جميع المساجد مع الأفكار الاقتصادية لرؤيتنا الوطنية الطموحة التي يقودها سمو ولي العهد - وفقه الله - للتحرُّر الاقتصادي والتنمية المُستدامة, وهو ما سيجعل النموذج السعودي للعناية بالمساجد ورعايتها عبر الأوقاف هو الأفضل دوماً، وحتى تتفرّغ كذلك وزارة الشؤون الإسلامية للعناية بالمساجد القديمة، وربما العمل مع الهيئة العامة للأوقاف على تخصيص أوقاف جديدة للصرف عليها مُستقبلاً أو نقل عين أوقاف قائمة لخدمتها.
من أقدم القصص الجميلة التي يمكن أن تُروى عن إنسان المملكة وتعكس طيبته وحسن معدنه مُنذ القدم وحتى اليوم، هي الأوقاف التي يخصصها الناس من مُختلف (الأجيال المُتعاقبة) من مالهم الخاص للصرف على الأعمال الخيرية ورعاية المُحتاجين والعناية ببيوت الله، لذا سيبقى السؤال الأهم دوماً: عن دورها الحقيقي في حياتنا اليومية؟
وعلى دروب الخير نلتقي.