لَا تُنَاصِبْ نَفْسَكَ الْعَدَاءَ
(لورانس جولد)
يَحْسَبُ أَكْثَرُ النَّاسِ أَنَّهُمْ لَابُدَّ أَنْ يَذْكُرُوا أَخْطَاءَهُمْ، وَنَقَائِصَهُمْ وَأَنْ يَنْتَقِدُوا أَنْفُسَهُمْ؛ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ هَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الْأَمْثَلُ لِلتَّقَدُّمِ وَالنَّجَاحِ. وَكَذَلِكَ يُحِثُّ أَكْثَرُ الْآبَاءِ أَبْنَاءَهُمْ عَلَى أَنْ يَذْكُرُوا نَقَائِصَهُمْ كَوَسِيلَةٍ لِتَحْسِينِ أَنْفُسِهِمْ وَتَقْوِيمِهَا.
وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي لَا جِدَالَ فِيهَا أَنَّ انْتِقَادَ النَّفْسِ، وَالْمُدَاوَمَةَ عَلَى اتِّهَامِهَا لَا يَعْقُبُهُ إِلَّا الصِّرَاعُ النَّفْسِيُّ؛ فَفِي كُلِّ مَرَّةٍ تَتَّهِمُ فِيهَا نَفْسَكَ بِارْتِكَابِ ذَنْبٍ مَا؛ تَهُبُّ نَفْسُكَ - فِي غَيْرِ وَعْيٍ مِنْكَ وَكَرَدِّ فِعْلٍ طَبِيعِيٍّ- لِلدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِكَ، وَتَكِيلُ لَهُ الصَّاعَ صَاعَيْنِ. وَهَذَا الِاتِّهَامُ وَالدِّفَاعُ، أَوْ بِعَبَارَةٍ أُخْرَى هَذَا الصِّرَاعُ الْلَاوَاعِي يَطْغَى مَعَ مُضِيِّ الْوَقْتِ عَلَى السَّبَبِ الْأَصَلِيِّ الَّذِي أَنْشَأَهُ حَتَّى لِيَتَعَذَّرَ أَنْ تُدْرِكَهُ.
وَهَبْنَا أَقْلَعْنَا عَنْ لَوْمِ أَنْفُسِنَا وَاتِّهَامِهَا، أَتَرَى مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ نَنْتَحِلَ الْمَعَاذِيرَ لِارْتِكَابِ الرَّذَائِلِ؟
كَلَّا، عَلَى التَّحِقِيقِ! بَلْ مَعْنَاهُ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى تَصَرُّفَاتِنَا وَأَفْعَالِنَا عَلَى أَنَّهَا نَتَائِجُ طَبِيعِيَّةٌ لِتَكْوِينِنَا الذِّهْنِيِّ، وَطَبِيعَةِ الْبِيئَةِ الَّتِي تُحِيطُ بِنَا، وَالظُّرُوفِ الَّتِي نَعِيشُ فِيهَا؛ فَهَذَا خَلِيقٌ بِأَنْ يُبَصِّرَنَا بِالدَّوَافِعِ الَّتِي تَدْفَعُنَا إِلَى هَذَا الْعَمَلِ أَوْ ذَاكَ، وَيَجْعَلُنَا أَدْنَى إِلَى الْحُكْمِ الدَّقِيقِ عَلَى الطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ مِمَّا نَفْعَلُ.
اصْطِراعُ رَغَباتِنا
ولَيْسَ لَوْمُ النَّفْسِ هُوَ الْعَقَبَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي تَنْأَى بِنَا عَنِ الرِّضَاءِ وَالسَّعَادَةِ، بَلْ إِنَّ تَضَارُبَ رَغَبَاتِنَا وَتَصَارُعَهَا عَقَبَةٌ أُخْرَى فِي طَرِيقِ السَّعَادَةِ. مَثَالُ ذَلِكَ أَنَّ الطِّفْلَ الَّذِي يَذْهَبُ إِلَى الْمَدْرَسَةِ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ يَرْغَبُ فِي أَنْ يُرْضِيَ زُمَلَاءَهُ لِيُحِبُّوهُ، وَلَكِنَّهُ يَرْغَبُ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ غَيْرَ مُتَقَيِّدٍ بِرَغَبَاتِ زُمَلَائِهِ، أَيْ بِمَعْنًى آخَرَ: إِنَّ الرَّغَبَاتِ الْفَرْدِيَّةَ كَثِيرًا مَا تَتَضَارَبُ مَعَ الرَّغَبَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ– أَيْ الَّتِي يُرِيدُهَا الْمُجْتَمَعُ– فَكَيْفَ نَسْتَخْلِصُ السَّعَادَةَ مِنْ هَذَا التَّضَارُبِ؟ إِنَّ هَذَا السُّؤَالَ يُقَرِّبُنَا شَيْئًا مِنَ الْفَهْمِ الْحَقِيقِيِّ لِمَعْنَى السَّعَادَةِ؛ فَالسَّعَادَةُ حِينَئِذٍ هِيَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ رَغَبَاتِنَا وَرَغَبَاتِ الْآخَرِينَ.
وَلَعَلَّ خَيْرَ مَا يُنْصَحُ بِهِ الشَّخْصُ الْمُنْطَوِي عَلَى نَفْسِهِ، هُوَ أَنْ يُحَوِّلَ اتِّجَاهَهُ إِلَى الْآخَرِينَ، وَأَنْ يُحِبَّهُمْ وَيَهْتَمَّ بِهِمْ، وَلَسَوْفَ يُبَادِلُهُ النَّاسُ حِينَئِذٍ حُبًّا بِحُبٍّ.