أ.د.عثمان بن صالح العامر
الروح عالم عجيب وهو في النهاية سر من أسرار خلق الله في عالم الكون الفسيح كما جاء بيان ذلك مفصلاً في النص القرآني الذي هو جواب عن سؤال مباشر عن ماهيته وحقيقة وجوده: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}.
هناك نوع من الصداقات وشائجها أقوى بكثير من صدقات الأبدان التي تفرض اللقاء الدائم والتواصل المستمر، صداقات قد تتجاوز الأحياء لتصل إلى الأموات في قبورهم، صداقات تظن أنها اندثرت ومحاها الزمن وإذا بها فجأة تظهر أقوى مما كانت عليه حين يطرق الحنين الباب، صداقات لا تعرفها إلا حين تحتاجها وعندما يكون منك الحديث إليها عما أهمك وشغل بالك تجدها أكثر اهتماماً منك بك.
لا أقول هذا من فراغ، بل مر بي شخصياً موقفان خلال الأسابيع القليلة الماضية ساقاني للحديث عن هذا النوع من الصداقات التي أعتقد أنها النوع الأقوى في دنيا الناس.
هناك أصدقاء لا يهمهم شهاداتك ولا منصبك ولا سكنك ولا ملابسك، الأهم هو جوهرك الروحي الذي تمتاز به، عندما تقابلهم ولو بعد فترة ليست بالقصيرة تجد نفسك تفضي لهم بكل أسرارك وتلقى منهم التفاعل الذي يدخل الأنس والسرور على نفسك، مع أنهم ليسوا هم الأقرب لك مكاناً ولا الألصق بك حالاً وزماناً؛ لا تعلم سر هذا البوح ولا سبب هذه الصداقة التي تمنحهم لديك الثقة المطلقة والراحة التامة عندما تكون معهم أو تتحدث إليهم.
هناك أصدقاء تحس بآلامهم وتستشعر أوجاعهم وإن لم يسروا لك بها يوماً ما، وإن نأت بهم الديار وفرقت بينكم الظروف وباعدت أجسادكم المسافات، ويبقى التواصل الروحي السر الأبدي المكنون في الذات الإنسانية، فسلام على أصدقاء الروح الذين أكن لهم بين الحنايا كل ود وحب وتقدير. وإلى لقاء والسلام.