نوف بنت عبدالله الحسين
أن تشبع يعني..أن يتوقف جوعك ويخف نهمك... فتحصل على الشبع وتخاف التخمة... لذا تجلس خلف شبعك...وتحصل على الشبع دون أن تفكر بما وراء الشبع.. وتحرم نفسك عن ما يخفيه الجوع أكثر...
الشبع الفكري غير محمود... والتشبع منه يعني التوقف عن البحث، وصد الأبواب، وغلق النوافذ بإحكام...واختفاء ذلك النهم يشل كل رغبة في لذة التوق والجوع إلى البحث والاكتشاف وسبر أغوار المعرفة...والتوغل أكثر وأكثر... والجوع أكثر وأكثر وأكثر...
الجوع الفكري يحفز دائماً الرغبة الجامحة في البحث عن الابتكار وتطوير الأفكار والتوجه نحو الإبداع...وهي حركة دودية مستمرة...دائمة الحركة بها نهم لا يتوقف...
لا يوقفه سوى أمران...الأول منك والثاني من المحيط الخارجي... فلنتحدث عن الأمر الأول...حين يصيبنا الغرور نشبع...وبالتالي لا نتقدم ولا نطوّر...بل نقف عند الهالة العظيمة التي صنعناها بأنفسنا دون شعور... فنصاب بالنرجسية ونتوقف عن العطاء ونكتفي بتاريخ مضى...
أما الأمر الثاني وهو الأكثر إحباطاً...حين تواجه مناخاً لا يدعم هذا الجوع...ويؤخرك لأجل غير مسمى...فتصبح الأفكار حبيسة الأدراج...ويغادرنا الجوع ونكتفي بالفتات...
ولطالما آمنت بمقولة أقتبسها دوماً من قصاصة لوالدي... عبارات من ذهب صيغت وقدمت على طبق من فكر وإصرار...ورغبة في الإقدام والنهوض مهما حدث ومهما صار... كتبها ورسم بجانبها خطوطاً متكسرة تشبه شكل الصاعقة الفكرية حين تأتي فتحدث شرارة جميلة ويحدث دوي يدفع الروح للتوجه نحو اللانهاية...ترجل والدي عن الحياة لتستمر المسيرة بعده عبر تلك الرؤى وتلك الأفكار... وكلما توغلت في أوراقه وكتبه...كلما آمنت بتأخري وبجوعي ونهمي وبأني ما أوتيت من العلم والفكر إلا قليلاً..قليلاً جداً...
(إلى شيء فوق العادة...شيء خارق للعادة...شيء يفوق التصوّر...طاقة هائلة...طاقة جبّارة...بل طاقة خلّاقة مبدعة)...تلك كانت عبارة عابرة...لكنها حتماً عبرت روحي ووجداني وفكري...وهزّت أعماقي... وآمل أن تجدوا فيها السر الذي يجعلنا نجوع دوماً ونتلذذ بالاكتشاف ونمارس الدهشة ونستمتع بالابتكار...ونعيش تجاربنا بكل استمتاع وبكثير من التأمل والتبصر... فنقفز قفزات عالية جداً...ونتخطى كل الحواجز... ونفرح بالإنجاز...ونفخر بالصعود... ونتلذذ بالجوع...حتى لا نتوقف...