د. حمزة السالم
القيمة من النُدرة. فالندرة لازم من لوازم القيمة، ولكن القيمة ليست بلازم للندرة. فقد يكون هناك حشرة نادرة ولا قيمة لها. والهواء لا قيمة له رغم أنه أحوج حاجة للإنسان، لأنه عديم الندرة.
وخاصية الندرة للثمن لا تكون مطلقة. فشدة الندرة تمنع الاستخدام العام. ولهذا كانت الفضة والنحاس هما من اتخذها البنوك المركزية الاوربية كعملة احتياط، لمدة أطول بكثير من اتخاذهما الذهب كعملة احتياط.
وهذا رغم أن الذهب، هو أغلى منهما قيمة وأكثر تحملا. ولكنه كان أكثر ندرة منهما بشكل جاوز حد الندرة المعقول ليغطي حاجة السوق. لذا، لم تتخذ البنوك المركزية الذهب كعملة احتياط دولية الآمن بعد أن اكتشفت أوروبا العالم الجديد - الأمريكتين-، وتدفق الذهب من الأرض البكر على أوروبا. فلما توفر الذهب وكثر، هجرت البنوك المركزية الفضة والنحاس، واتخذت الذهب بديلا عنهما كعملة احتياط.
وخرجت الآلة، فقضت على شح الندرة في المنتوجات، وأصبحت الأسواق تنتج بمعدل ضخم، فزاد الإنتاج وتعاظم أمام الذهب، فلم يستطع الذهب أن يماشي كميات الانتاج، فعجز عن القيام بواجبه الثمني الذي أضيف عليه، فكان هذا أحد أسباب خروج عملاتنا اليوم. فهو تطور حاجة طبيعية، توجهت لها الأسواق دون حتى أن تدرك أسباب السنن الكونية التي أبعدتها عن الذهب.
وهنا تظهر لنا مسألة، وهي كون العملة ثمنا في بلد وليست ثمنا في بلد آخر. فالعملات اليوم منها ما هو عالمي ومنها ما هو محلي. وكون العملة عالمية كالدولار أو الين الياباني أو اليورو لا يلزم من ذلك أن تكون ثمنا في بلد أجنبي. فالين الياباني مثلا لا يُقبل في أمريكا كثمن للخبز من الخباز، ويصبح وضعه كوضع السلع القياسية الأخرى، أي كالذهب والبترول والنحاس والحديد والقمح ونحوها. وأقصد بهذا، أنه لو أراد أمريكي قبوله كثمن لسلعة في أمريكا فهو سينظر في قيمته أمام الدولار، إذن فالثمن مازال هو الدولار لأن التسعير يتم به. كما لو عُرض على البائع ذهبا أو فضة أو براميل بترول مقابل سلعة تقوم بالدولار في أمريكا.
فإن كان هذا حال الين الياباني في سوق أمريكية، فهو من باب أولى يكون في العملات غير الدولية. كأن يقدم الريال السعودي مقابل سلعة في أمريكا.
فالمسألة هي: هل تُنتزع صفة الثمنية عن الين الياباني في أمريكا مثلاً؟ وما هي متعلقات ذلك؟
1. فإن قلنا إن العملات خارج بلادها تفقد الثمنية، فهذا يعني أنها لم تعد شيئا على الإطلاق، إذاً فقد أصبحت عدما لا قيمة لها. فما العملات إلا أثمان، جوهراً وخلقة. وهذه نتيجة باطلة. فالريال السعودي مثلاً يحتفظ بقيمته في السوق الأمريكية، وإن كان قد فقد ثمنيته. اللهم إن قيمته مسجونة في داخله لا تخرج إلا في سوق تكون سلعه وخدماته هي مُقيمات الريال.
2. وإن قلنا بأن العملات خارج بلادها مازالت أثمانا، فهذا غير صحيح كذلك، فهي لا تقبل في التسعير، وكوسيط للتبادل ولا للتسعير في خارج بلادها.
فالصحيح أن العملات تتحول إلى صورة سندية خارج بلادها فهي تُقيم وتُثمن من غيرها، ولا تقيّم أو تثمّن غيرها. فتصبح نوعا من السندات التي لا تدفع فوائد، طالما ما تزال في صورتها النقدية، وخارج سوقها.