ماجدة السويِّح
قبل فترة زمنية تم تداول صورة إعلان عن عيادات طبية بلبنان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث توسط اسم الطبيب اللوحة، مقرونا بالفئة التي يخدمها مسلم، مسيحي...، مصحوبا بالمذهب والطائفة التي يباشرها في عيادته! الصورة كانت تحكي بعمق عن الحالة السياسية والثقافية التي يعيشها اللبنانيين اليوم، هي صورة نادرة -بلا شك - في العصر الحديث، مع الاهتمام والتشديد على الجانب الأخلاقي والإنساني في مجال الطب.
الواقع أن البحوث الطبية قديما شهدت العديد من حوادث التمييز والعنصرية عند إجراء التجارب الطبية على المرضى، فاللون كان حاسما في التعامل مع المتبرعين من المرضى، لإجراء الدراسة وطريقة تنفيذها.
جيمس ماريون سيمز الرائد في جراحة الأمراض النسائية، والمعروف باسم «أبو الطب النسائي الحديث» ساهم في تطوير بعض التقنيات الجراحية، لكن باستخدام النساء من أصل أفريقي كمادة للتجربة، والأعظم إجراء العمليات دون استخدام التخدير، لأسباب عنصرية وعرقية، تزعم أن النساء السود لا يشعرن بالألم كما تشعر النساء البيض.
الدكتور سيمز استغل حاجة وضعف هؤلاء المملوكات لأسيادهن البيض، حيث أخذ موافقة مالكي المستعبدات لإجراء الجراحة. بالرغم من الممارسة الطبية غير الأخلاقية لسيمز على مريضاته، إلا أن هناك من تصدى بالدفاع عنها، بأنها ممارسة مقبولة في أواخر القرن العشرين، الذي كان الفصل العنصري والممارسات العنصرية تُمارس حينها ضد السكان الأمريكان من ذوي الأصول الأفريقية.
بلا شك الدكتور العنصري مدين لتلك النسوة المستعبدات بشهرته، وذياع صيته بين الأطباء، بسبب التجارب التي كانت مهمة مستحيلة في ذلك الوقت، نظرا لحساسيتها وندرة من يوافق عليها.
الحاضر أصبح أكثر عدلا، بعد احتجاج النشطاء ضد الممارسات الطبية غير الأخلاقية ضد النساء السود، ليستحيل تمثال د. سيمز المتربع في سنترال بارك بنيويورك إلى ماض، بعد أن تمت إزالته في إبريل 2018، ونقله لمقبرة جرين وود قريبا من مكان دفنه.
إجراء التجارب على النساء بدون تخدير لم تكن الممارسة الوحيدة والشهيرة آنذاك، بل عقبتها تجارب أكثر شناعة أصابت الأصحاء بالمرض، لاختبار فعالية البنسلين في منع الإصابة بالزهري، حيث عمدت تلك التجربة إلى إصابة حوالي 700 رجل وامرأة بالزهري عام 1946-1948 دون علمهم أو موافقتهم، للخضوع لعمل تجريبي، حيث تم استغلال السجناء دون تفكير بالجانب الأخلاقي والإنساني. التجربة الموغلة في بشاعتها استدعت من الرئيس الأمريكي أوباما الاعتذار عنها في 2010 .
الجانب المظلم في التجارب الطبية الذي سكت عنه لعقود، كشف عنه لاحقا، وتم التعامل معه بكل شفافية وشجاعة، لضمان عدم تكرار تلك التجاوزات، وتعليم الأجيال الجديدة عن الأخلاقيات المنسية، في فترة تاريخية طغت فيها ثقافة العنصرية والإقصاء للملونين.