ريتشارد كوبيتش
بكلّ المقاييس، كانتِ الزيارة الرسمية التي قام بها مؤخراً الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي إلى المملكةِ المتحدة ناجحةً للغاية، حيث أبرزت التقارير الصحفية صفقات ٍتجارية واستثمارية بقيمةِ 90.3 مليار دولار. وقد أتاحَتْ فرصةً مثاليةً لإعادة التأكيد على الروابطِ التاريخيةِ بين المملكتين وأظهرت أن أوجه التشابهِ بينهما تفوقُ أيّة اختلافات. يواجه كلا البلدين تغييرات ٍهيكلية وثقافية بعيدة المدى: في المملكة العربية السعودية يهدف برنامج التحول الوطني ورؤية 2030 إلى إعادة هيكلة الاقتصاد بشكلٍ أساسي، ويستهدفُ الأدوار النسبية للقطاعين العام والخاص، وأهمية النفطِ مقابلَ القطاعاتِ الأخرى ومساهمةَ المرأة. وبالنسبة إلى المملكة المتحدة، تأتي الزيارة بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لعام 2016 والحاجة إلى إعادة تحديد مكانها في العالم.
يجدر التفكير في بعض الفرص الناشئة عن هذا التقارب بين الاحتياجات. أنا أعمل في المملكة العربية السعودية منذ 7 سنوات كمدير تنفيذي بريطاني لشركة استشارية اقتصادية سعودية بريطانية مشتركة وشهدتُ تغيُّراً هائلاً في ديناميكية العمليات الحكومية منذ تبني برنامج التحول الوطني ورؤية 2030. هناك إلحاحٌ جديد داخل القطاع العام، مدفوعٌ بأهداف برنامج التحول الوطني، وهناك استعدادٌ جديد للنظر في الأساليب والتقنيات المبتكرة. وفي الوقت نفسه، تخضع السياسات والخطط الآن لتدقيقٍ أكثر صرامة ويجب على الوزارات أن تُنافِس َبقوةٍ أكبر لتأمين الموارد. ومن المحفزات الرئيسية لهذا التغيير الثقافي تدفق الشباب السعودي المتعلم الذي تلقى معظمهم تعليمه في الغرب. تشكل المرأة عنصراً متزايدَ الأهمية لهذا الكادر الجديد. إن التفاني والحماس والرغبة في النظرِ في أفكارٍ جديدةٍ للجيل القادم هي رصيدٌ ضخمٌ للحكومة.
شهِدَت المملكة المتحدة تحولاً مماثلاً بدأ في الثمانينيات، مع تبنّي سياساتٍ اقتصادية دعَمَت إلغاء الضوابط والمنافسة والحلول المستندة إلى السوق في عهد مارغريت ثاتشر. وقد تمت إعادة هيكلة وخصخصة الصناعات التي كانت بشكل تقليدي في أيدي الحكومة، وهذا التطور اللاحق لمبادرة التمويل الخاص اشتمل على القطاع الخاص لتمويل استثمارات كبيرة في البنية التحتية الجديدة وتحسين تقديم الخدمات العامة ونوعيتها.
بعد اجتياز هذه التجربة، يمتلك المستشارون البريطانيون والمُصنِّعون ومقدِّمو الخدمات ثروة من الدراية والمهارات والخبرات التي يمكن للحكومة السعودية الاستفادة منها في تنفيذ رؤية 2030. وفي الوقت نفسه، سيتطلب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في العلاقات الثنائية مع الشركاء التجاريين الرئيسيين وتعزيزها، خاصة الأصدقاء القدامى مثل لمملكة العربية السعودية. لدى الدولتين العديد من القيم المشتركة، لاسيما فيما يتعلق بالأهمية المتمثلة في التاريخ والتقاليد والسلوك الحسن. وفي حين أن هذه قد لا تفوق اعتبارات تجارية أكثر صعوبة، إلا أنها تساعد على تفسير سبب بقاء الروابط بين البلدين قوية على مر السنين. على كل حال ليست حركة المرور في اتجاه واحد في المُجمل. في عام 2016، قام تجار سعوديون بالشراء بقيمة ثلاثة مليارات دولار من البضائع و 1.6 مليار دولار من الخدمات من الشركات البريطانية، وكان المستثمرون السعوديون نشطين في المملكة المتحدة لبضع سنوات.
كلُّ دولةٍ لديها الكثير لتقدِّمه وستستفيد كلتاهما من تعميق الروابط الاقتصادية. لقد وفّر التاريخ فرصةً فريدة للبلدين لدعم بعضهما البعض وسط عدم اليقين في الاقتصاد العالمي المتغير. يُبرهِنُ نجاح زيارة الأمير محمد بن سلمان بوضوحٍ أن كلتا الحكومتين مستعدتان وراغبتان وقادرتان على الاستفادة إلى أقصى حد من هذه الفرصة. الأمر متروك الآن للبقية منا لنتّبعهم.