د. فوزية البكر
مع وضوح رؤية 2030 خلال السنتين الماضيتين ظهرت أفكار كثيرة تؤكّد حتمية وجودنا كدولة سعودية بمجتمع حيوي نحيا وفق مبادئنا الإسلامية ولكن ببيئة عامرة لدعم حياة صحية ولاستدامة بيئية ولتطوير أفضل لمدننا الكبيرة التي يعيش فيها أكثر من 70 % من السكان، حيث يجب دعم الثقافة والترفيه لنعيش حياة صحية ولنطور مدننا ونحقق الاستدامة في البيئة من خلال ممارسة يومية فهل تستطيع رؤية المملكة 20 30 تحقيق ذلك؟
أعتقد أن أكثر رد منطقي للأمير محمد بن سلمان أو كما هو معروف في الغرب بـ(أم بي أس) هو ما قاله في مقابلته في النيويورك تايمز: أتمنى أن يؤمن شعبي بما أفعل فهذا أكبر تحد؟
وصدقت يا ولي العهد: هذا هو التحدي الحقيقي لكن فقط لأطمئنك: حيث أمي البسيطة التي لم تذهب لمدرسة ولا لعمل يوماً ما وكان لديها شكوك كثيرة بخططك حين بدأت رحلة المستحيل لبناء رؤية 2030 وكانت قلقة عليك وعلى الوطن والآن تقول ما شاء الله وهي تراقب العجلة تدور دون توقف وتدعو لك في كل صلاة بأن يحرسك الخالق ويحرس الوطن من الحاسدين والحاقدين أين كان توجههم.
أن تحاول إعادة بناء المجتمع وترسيخ مفاهيم الرفاه والخصوصية والاختلاف وتدريب الآخر المختلف على قبول هذا الاختلاف بسلام كلها قضايا يتم في العادة تعليمها تدريجياً عبر ثقافة المجتمع والمدرسة والشارع والمسجد ... إلخ لكن حين تتواري مثل هذه المفاهيم لأية أسباب كما حدث في تاريخنا السعودي المعاصر لذا فنحن نحتاج لإحيائها إلى إعادة التفكر في معانيها الأساسية وفي كيفية تطعيم مفاهيمنا وسلوكنا بأساسيات القبول وعلى رأس ذلك مفهوم النسبية الثقافية.
لماذا نتحدث هنا عن الثقافة؟
لأن الثقافة تخترقنا منذ ولادتنا لتكيفنا حسبما تراه مقبولاً فثقافتنا هي الطريقة التي نأكل بها وننام بها وهي اللغة التي نتكلم بها والقيم والمفاهيم التي نتمسك بها والسلع والخدمات التي نشتريها والطريقة التي نشتري بها، بل وحتى الطريقة التي نستهلك بها هذه السلع المشتراة كما يري العالم الإنثربولوجي نيللر. الثقافة أيضاً تتداخل في الطريقة التي نقابل بها أصدقاءنا وحتى الغرباء عنا وهي تحدد كيف نتكلم مع أطفالنا وكيف نستجيب لهم إضافة إلى أنها تشمل الكثير مما حولنا مثل وسائل النقل وطرق استخدامنا لها ووسائل الترفيه وأدواته المحيطة بنا وطرق التواصل والتفاعل الاجتماعي والفردي الذي نعيشه في مجتمع ما .
هنا يصبح مفهوم النسبية الثقافية مهماً لتداخله مع كل ما نمر به يومياً في حياتنا من ممارسات وسلوكيات وأعمال وأفكار، حيث يؤكّد مفهوم النسبية الثقافية على أنه لا يوجد معيار موحّد للممارسة الثقافية يطبّق على الجميع ويكفي الجميع، بل هناك ممارسات مختلفة تلبي احتياجات ثقافية متنوّعة في كل مجتمع ومن ثم فإن الحكم على عنصر ما يجب أن لا يكون فقط في ضوء رؤيتي الخاصة الذاتية ولكن مع الأخذ بالاعتبار الغرض الذي ظهر من أجله هذا العنصر وكيف يخدم الوسط الذي ظهر فيه.
هنا سيساعدنا الأخذ بمفهوم النسبية الثقافية على التخلص من مركزية أحكامنا الأخلاقية والثقافية التي تدور في العادة في إطار ما اعتدنا عليه وما نعيشه وما تربينا عليه لذا كان من الأهمية بمكان الدعوة لإدخال مفهوم النسبية الثقافية ليتم استيعابه ضمن برامج التعليم والممارسة الاجتماعية لكي يساعدنا كأفراد وجماعات على تفهم اختلاف العقليات والثقافات المحلية وضرورة القبول للتغير والتجديد الذي قد يحتاجه المجتمع في مرحلة تاريخية والتي قد يرى البعض غير ذلك كما هو حاصل الآن لكن تفهمهم لضرورة نسبية الأشياء ونسبية أهميتها يجعلهم أقدر على رؤية وظيفة المتغيّرات الجديدة في حياة الأجيال المختلفة لا في ضوء مرجعيتهم الثقافية وفي ضوء ما اعتادوا عليه فقط.
كل ما يحدث الآن من تغيرات قيمية كبيرة على رأسها المشاركة التدريجية للمرأة في الحياة العامة والتدرب على الانفتاح على الثقافات الأخرى والأديان والمعتقدات وقضايا الترفيه كلها تؤكد أهمية التدرب (المدرسي) على مفاهيم أساسية مثل مفهوم النسبية الثقافية ليساعدنا على القبول السلمي للاختلافات. حفظ الله هذا الوطن آمناً مستقراً.