محمد سليمان العنقري
أظهر مؤشر الاحصاء لأسعار العقار الذي أصدرته الهيئة العامة للإحصاء تراجعا بالاسعار منذ العام 2014 م بلغ15،8% وبالرغم من تباين الارقام حول نسب هبوط الاسعار بالسوق العقارية إلا ان التصحيح الذي يهيمن على السوق مازال مستمراً كونه تصحيحا كبيرا لدورة من الارتفاعات شهدها القطاع كانت طويلة زمنياً وبنسب ارتفاعات كبيرة جداً بالاضافة الى ان الظروف الاقتصادية التي ساهمت بارتفاع الاسعار تبدلت؛ فقطاع العقار يدخل حاليا بمرحلة تنظيمية واسعة لتهيئته ليكون قطاعا تنموياً واسع التأثير بالاقتصاد الوطني ايجاباً، فقد كان نشاط المضاربات وعلى الاراضي البيضاء هو المسيطر على جل السيولة في السوق في السنوات الماضية، ولكن بعد سلسلة من الانظمة التي صدرت كرسوم الاراضي بالاضافة للهيكلة الاقتصادية التي بدات مع اطلاق رؤية المملكة 2030 م وتغير وجهة الانفاق الحكومي نحو مشاريع نوعية تختلف عن ما كان سائداً في العشرة اعوام الماضية باعتبار ان نسب كبيرة من المشاريع العامة انجزت كالمدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق مما قلل حالياً الطلب على الاراضي، وباعتبار ان قطاع الاسكان ايضا يتم تنظيمه وفق ضوابط تركز على طرح منتجات تتراوح اسعارها بين 250 الى 750 الف ريال بحسب تصريحات مسؤولي «وزارة الإسكان»، فإن ذلك التوجه سيفرض حتما زخما بتطوير الأراضي يزيد من العرض ويقلل الأسعار مع نوعية منتجات متعددة الاحجام والأسعار، لكنها ستبقى ضمن مستوى شرائح متوسطي الدخل.
ومما يزيد الضغوط على اسعار العقار بخلاف تغير التوجهات الاقتصادية العامة نحو اقتصاد منتج يكون الدور الحكومي فيه رقابة واشراف بدلا من قيادة النمو بالانفاق العام، فإن رفع اسعار الفائدة والتغير بحجم العمالة الوافدة مع ارتفاع تكاليفها وتراجع الحاجة لعدد كبير منها بعد انجاز الكثير من المشاريع مما يزيد من عروض الوحدات السكنية المعدة للتأجير، وكذلك المحلات التجارية ، اضافة الى التحول بالاستثمارات العقارية للنوعية والنخبوية بالمشاريع والتوجه لمواكبة تطورات الاقتصاد الوطني حيث تنشط قطاعات الترفيه والسياحة والتي باتت من اهم وجهات الاستثمار بالقطاع العقاري مما قلل من نشاط المضاربات على الاراضي البيضاء حيث يتركز الطلب الآن على المواقع ذات الجدوى الاستثمارية، وهو ما يفسر التراجع الحاد بالأسعار للاراضي التي تقع على اطراف المدن او التي لم تصلها الخدمات بنسب فاقت50% بوقت قصير والتي كانت تستحوذ على نسب كبيرة من المضاربات بالسوق سابقا.
أما أحد العوامل المؤثرة على اسعار العقار فهو التغير بتوجهات المستثمرين بعد أن شهد الاقتصاد تراجعا بمعدلات نموه بالعامين الماضيين مع تراجع اسعار النفط فالعودة لضخ الاستثمارات بالقطاع العقاري بمعدلات عالية كما كان قبل سنوات لن تكون قريبة، وهو أمر طبيعي، فقبل ان ينتهي السوق من التصحيح لن يكون هناك عودة للاستثمار بالقطاع الا بالمناطق النوعية ذات الجدوى والعائد الاستثماري الجيد، اضافة الى ان تطور السوق المالية وطرح الصكوك والسندات السيادية فيه مع التطوير الذي يشهده السوق المالي عموما وخصوصا سوق الاسهم الذي يعد جزء من السوق المالية يعد عاملا مهما لتغيير توجهات الاستثمار بالسنوات القادمة، خصوصا بعد تجاوز المؤشر لحاجز 8000 نقطة بالاضافة لانضمام السوق لمؤشر فوتسي للاسواق الناشئة وقرب انضمامه للمؤشر الاهم مورجان ستانلي والذي يعني احتمالاً كبيراً بتدفق السيولة نحو السوق بوتيرة سريعة وواسعة مع ما تحققه الشركات من نمو بالارباح خصوصا القطاعات الكبرى البنوك والبتروكيماويات فنشاط السوق المالية الحالي والمتوقع ان يبقى جيدا لسنوات قادمة سيكون له تاثير سلبي على نشاط السوق العقارية ايضا مما يساهم باستمرار تصحيح الاسعار
مع استمرار نزيف الاسعار بالعقار يبقى سؤال المليون متى يتوقف هذا التصحيح، والاجابة تكمن في وصول الاسعار للقيم العادلة التي تتناسب مع العائد الاستثماري المستقبلي المتوقع للأصل العقاري والمنتج المطروح والذي عادة يكون مجدياً حول10% كعائد سنوي حيث تراجع العائد مع تحليق الاسعار سابقاً لاقل من 5% ولكن السوق بدأ حالياً يقيم بشكل افضل قيمة العقارات ويبني تصورات على مستقبلها وجدوى الاستثمار عموماً ولذلك لن يكون هناك طفرات بالاسعار انما قيم عادلة تعكس جاذبية الاستثمار وجدواه، فالعقار سيبقى أحد أهم قطاعات الاقتصاد، وسيكون قائدا في التنمية المستهدفة لكن بأسعار منطقية وقيم عادلة جاذبة للمستثمرين.