«الجزيرة» - خاص:
تتجه المملكة منذ إطلاق «رؤية 2030» نحو الكفاءة الاقتصادية من خلال العديد من الأدوات من أهمها التوجه المتسارع الخطى نحو الخصخصة، وتوجيه حصيلتها إلى بناء وتأسيس أكبر صندوق سيادي في العالم وهو صندوق الاستثمارات العامة، وهو توجه يراه البعض توجها اقتصاديا، ولكننا هنا نراه توجهها إداريا أو سياسة إدارية اقتصادية ترتكز على الكفاءة في إدارة الثروة السيادية للدولة، وهذا ما نهدف إلى تحليله في سياق هذا التقرير.
«رؤية 2030».. صندوق سيادي عالمي
لأول مرة تتبلور رؤية واضحة نحو تأسيس صندوق سيادي وعالمي بالمملكة جاءت في سياق رؤية 2030، حيث تشير الرؤية إلى أن الخصخصة سوف تثري ثروة الدولة وتكون أموالا طائلة وكبيرة مع الوقت خصوصاً من بيع ثلاثي الثروة (الشركات والأراضي والأصول الأخرى)، ذلك البيع الذي سيحقق عوائد كبيرة، سينتج عنها زيادة الموارد النقدية، وهنا نقطة هامة، حيث إن الإشارة كانت دقيقة لموارد نقدية وليس مالية، والموارد النقدية في حد ذاتها معرضة للخسارة أو لتغير القيمة المالية الحقيقية، لم يتم استثمارها بشكل علمي وواعي.
وهنا تم الاعتماد على ضخ هذه العوائد النقدية في صندوق الاستثمارات العامة، والذي تشير التوقعات الأولية إلى أن يصبح بها صندوق سياديا ضخما ويصنع ترتيبا متقدما على مستوى الصناديق السيادية العالمية.
إن السؤال الذي يثير نفسه: كم حجم صندوق الاستثمارات العامة حالياً وحصيلته المالية الحالية؟ وكم حصيلة الخصخصة المتوقعة ؟ وأيضاً كم حصيلة بيع عناصر الأصول الأخرى خارج نطاق الخصخصة؟ وعليها، كم حجم القيمة النهائية التي يمكن أن يصبح عليها صندوق الاستثمارات العامة كصندوق سيادي سعودي؟ وأخيرا ما هي تأثيرات ذلك التوجه على الأداء الاقتصادي والحكومي السعودي ؟
تغيرات الكفاءة الحكومية
لا يختلف اثنان على أن الإدارة الحكومية خصوصاً للشركات تعتبر شيئا من الماضي واللاكفاءة على المستوى العالمي، فلا يمكن للحكومة أن تدير مثلما تدير القطاعات الخاصة، على الأقل سنضمن أن الدولة لا تحتاج إلى ضخ إنفاق حكومي هائل على خدمات بلا مقابل، ومن ثم سنضمن إدارة كفؤة لا تكلف الحكومة مع الوقت موازنات ضخمة أو كبيرة. فكل الشركات الحكومية بتحويلها إلى قطاع خاص ستكون ذات خدمات أفضل، والأهم أنها ستقدم خدماتها بكفاءة عالية للمواطن، حسب معايير «التكلفة والعائد».
والتأسيس الحكومي لشركات ينبع بشكل أساسي من التوجه لتأسيس كيانات تنموية هامة لا يستطيع الأفراد العاديون تأسيسها، ويفترض أن تنسحب الدولة منها تدريجيا وتركها لتعمل حسب معايير الكفاءة و»العائد والتكلفة». ونعلم جيدا أن تأخر الدولة في هذا الانسحاب أو الخصخصة قد يكلفها خسائر باهظة نتيجة تقديم خدمات مجانية أو مدعومة تظل تكلف موازنة الدولة أموالا طائلة. لذلك، فإنَّ الخصخصة في عمقها هي ضمان تقديم الخدمة حسب معيارين : الكفاءة العالية والجودة المالية من خلال تقديمها بقيمة مناسبة حسب «التكلفة والعائد».
صندوق الاستثمارات العامة
لقد تم تأسيس صندوق الاستثمارات العامة السعودي في سنة 1971 للقيام بمهمة تمويل المشروعات ذات القيمة الاستراتيجية للاقتصاد الوطني السعودي. فضلا عن القيام بدور مهم في تمويل مشروعات حيوية للمملكة، في قطاعات مثل النفط والتعدين والأسمدة الزراعية والبتروكيماويات والكهرباء. وفي عام 2015، انتقلت مرجعية صندوق الاستثمارات العامة من وزارة المالية إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة، الذي بادر باتخاذ لتمكين الصندوق من إدارة محفظة استثمارية أكبر وأوسع من المحفظة الاستثمارية الحالية، وإضافة أصول جديدة. وتتكون أهم استثمارات الصندوق مما يناهز حصص استثمارية للحكومة في رؤوس أموال أكثر من 200 شركة تنموية وحيوية بالمملكة، منها ما يوازي حوالي 35 حصة في شركة مساهمة مطروحة بسوق الأسهم السعودي، أهمها البنوك جميعا تقريبا، وسابك والمعادن والخزف والاتصالات وتقنية وغيرها. ومؤخرا تم الحديث عن تحويل ملكية أرامكو إلى ملكية صندوق الاستثمارات العامة، وتم الإعلان نية الحكومة طرح 5 في المئة من قيمة أسهم الشركة في سوق الأسهم، أو ما يوازي حوالي 100 مليار دولار، كما تشير غالبية التقارير الصحفية.
التقييم الحالي لأصول الصندوق السيادي الجديد
هنا سنفترض أن كامل الأصول والثروة النقدية والمالية المنتمية للحكومية سيتم ضخها في الصندوق السيادي المقترح تأسيسه. لا توجد بيانات دقيقة وواضحة حول حجم أصول الصندوق ولا استثماراته ولا قروضه بشكل واضح سواء داخل قطاعات الدولة أو الشركات المساهمة أو ربما استثمارات بالخارج. ولكن هناك بيانات تصدر هنا وهناك حول الصندوق أهمها:
(1) أن حجم القروض القائمة لصندوق الاستثمارات العامة حتى نهاية عام 2015 بلغ 104 مليارات ريال، وذلك حسب بيانات التقرير السنوي لمؤسسة النقد العربي السعودي لعام 2016.
(2) تقدر نسبة تملك صندوق الاستثمارات العامة في سوق الأسهم السعودية حوالي 21 في المئة من إجمالي القيمة السوقية للأسهم المصدرة، وحيث ان هذه القيمة السوقية وصلت في نهاية دوام الخميس 20 أبريل إلى حوالي 1.6 تريليون ريال، إذن فإنَّ صندوق الاستثمارات العامة يستثمر ما قيمته حوالي 336 مليار ريال في سوق الأسهم المحلية.
(3) بإعلان الحكومية نقل ملكية أرامكو إلى الصندوق السيادي، ثم إدراج وطرح نحو 5 في المئة من أسهم أرامكو في سوق المال الدولي، وحيث ان التقديرات تشير إلى قيمة تعادل 2 تريليون دولار لشركة أرامكو، فإنَّ الصندوق السيادي سيستثمر حوالي 100 مليار دولار فورا في سوق المال الدولي، ويمتلك أصول بقيمة 1900 مليار دولار كاحتياطيات وأصول أخرى ومتنوعة بأرامكو.
(4) بالطبع هناك قطاعات حكومية وشركات أخرى تمتلكها الدولة ولم تطرح حتى الآن، وفي الاعتقاد أن قيمتها تقدر بنحو 375 مليار ريال. (5) أي أن إجمالي الأموال المعلن عنها كأصول واستثمارات للصندوق السيادي يمكن أن تصل إلى حوالي 1190 مليار ريال، بما يعادل حوالي 317 مليار دولار، بشكل مبدئي.
(6) ولكن مع افتراض تحويل الاحتياطيات الأجنبية (المتمثلة في الاستثمارات المالية بالخارج) التي تمتلكها الحكومة للصندوق السيادي، والتي تقدر قيمتها بنحو 1825 مليار ريال حسب تقرير مؤسسة النقد في 30 يوليو 2015، أو ما يعادل 487 مليار دولار.
(7) أي أن القيمة المتوقعة للصندوق السيادي (باحتساب حصة أرامكو 100 مليار دولار فقط) تعادل حوالي 803 مليارات دولار، أما إذا احتسبنا القيمة كاملة لأصول أرامكو، فتصل قيمة الصندوق السيادي إلى حوالي 2703 مليارات دولار. ولكن من المضلل احتساب القيمة الصغرى لأنّها الأعلى منطقية في احتساب قيمة الصندوق، وهي 803 مليارات دولار، وهي قيمة ليست صغيرة، بل تحتسب على المستوى العالمي.
ترتيب الصندوق السيادي السعودي
نسعى هنا لتقصى قيمة أكبر خمسة صناديق سيادية بالعالم حسب التقارير المنشورة، حيث تأتي كما يلي:
(1) صندوق النرويج وتقدر قيمته بحوالي 873 مليار دولار.
(2) صندوق أبو ظبي بقيمة 773 مليار دولار. (3) صندوق الصين بقيمة 747 مليار دولار. (4) صندوق مؤسسة النقد العربي السعودي بقيمة 620 مليار دولار.
(5) صندوق الكويت بقيمة 592 مليار دولار. هذه القيمة تجئ في ظل الوضع الحالي وقبل تأسيس الصندوق السيادي السعودي، ولكن مع تأسيس صندوق سيادي بالشكل الموضح أعلاه، فإنَّ الصندوق السعودي سيحتل المرتبة الثانية عالميا تقريبا بقيمة 803 مليارات دولار، ولكن في ظل احتساب كامل قيمة أرامكو، فإنَّ الصندوق السعودي يستحوذ على المرتبة الأولى بلا منازع بقيمة 2703 مليارات دولار.