سمر المقرن
دائماً أضع حولي دائرة صغيرة هي المجتمع القريب مني، ودائرة أكبر هي المساحة التي أسمح فيها بدخول بعض الشخصيات إلى حياتي على ألا يتجاوز دخولهم الدائرة الصغيرة الخاصة بأشخاص معينة في حياتي. هذا التخطيط الحياتي مريح جداً وناجح جداً، لأن دائرتك الخاصة فيها عالمك الخاص من والدين وأشقاء -قد لا يكون جميعهم- ومقربين إلى النفس وليس بالضرورة قرابة الدم. وإذا تزوج الشخص أو ارتبط بعلاقة تحت أي مسمى فإنه يسمح للطرف الآخر بالدخول لدائرته الصغيرة، وإذا أصبح لديه أطفال فإنه يضيفهم تلقائياً لها، وهكذا حتى تتسع الدائرة الأساسية التي هي دائرتك الخاصة، ولن تسمح لأحد أن يطلع على عالمك إلا من سمحت له بالدخول إليها، وبذلك تكون قد أدخلت دائرته بداخل دائرتك مع بقاء خصوصيتك في الدائرة الأصل، فمهما كان الشخص واضحا وصريحا إلا أنه يخفي شيئا من حياته بداخل هذه الدائرة. أو على الأقل تكون له خصوصيته التي حتى من بالدائرة الصغيرة لا يتجاوزها لتبقى العلاقات متميزة ودائمة.
لذا علينا معرفة هذا الأمر لضمان استمرار علاقاتنا الإنسانية بأن لا أحد يسمح للآخر بالدخول إلى دائرته إلا بإرادته.
إذا استطاع الإنسان تنظيم حياته وعلاقاته بالدوائر، فهو بذلك يصل إلى مرحلة سامية في علاقاته الإنسانية، وقدرة على تقدير خصوصيات الآخرين وحالاتهم النفسية والمزاجية، فقد نرى تصرفات قد تسوؤنا من أشخاص نظن أننا نعرفهم جيداً وهم لم يقصدوا فيه الإساءة إلينا، ولكن ما مروا به من أمور تخفى علينا جعلتهم يتصرفون بهذه التصرفات ليس لشيء وإنما لما رأوه وهم في دوائرهم.
فمن المعلوم أن زوايا الرؤيا مختلفة كذلك قراءات البشر لمشهد الحياة مختلف تماماً بل إن البعض يعيد النظر في قراءة المشهد بين الحين والآخر.
ما وددت الوصول إليه هو أن هناك الكثير منا يقيّم الناس بظاهرها وهو لا يعلم ما تخفي حياتهم، أيضاً هناك من يقتحمون الناس في دوائرهم لمعرفة خصوصياتهم وتشويهها بدلاً من أن يحاولون مساعدتهم على تجميل واقع حياتهم. أو يعطوا لأنفسهم الصلاحية لدخول دوائر الآخرين الصغيرة حتى دون إذن، ومن يحاول الدخول دون استئذان، بلا شك لن يجد الباب مفتوحاً!