حسن اليمني
قاتل العمد يقتل قصاصاً، قاعدة هي في ظاهرها بالعقل والمنطق سليمة وعادلة، فالقتل لمجرد القتل لا عقوبة له أقل من الإعدام، لكن بالمنطق والعقل أيضاً لا يقدم على مثل هذه الجريمة إلا مختل في فكره وسلوكه وخارج عن الطبيعة الإنسانية وتطهير الإنسانية من مثل هذا الوباء عمل راقٍ وسامٍ.
ومن فضل الله علينا في هذه الأمة المسلمة أن مثل هذا الشر المستطير نادر الحدوث وإن ظهر بندرته لانحراف فكري ونفسي، بيد أن الغضب شرارة الجنون والخروج من العقل غريزة فطرية أصيلة وهي عملية لا تظهر أحادية إطلاقاً لكنها كامنة راسخة في النفس البشرية، وفي جلّ قضايا القصاص لدينا تظهر في الحيثيات مشاجرة أو تلاسن أدى إلى وقوع جريمة القتل الذي كان كل من الطرفين حريصاً فيه.. حريصاً على قتل الآخر بعد إفراز حالة الغضب حذر العقل ورحمة النفس وعدالة العقل مما أدى بالفاعل ومقابله للخروج من حالة السيطرة والتحكم إلى محاولة قتل الآخر، وهنا من العدل القول إن كلاهما بنفس الدرجة مستحقان للعقوبة لكن الذي يحدث أن أحد الطرفين يكون ضحية غضبة ويموت قتلاً ويبقى الآخر قاتلاً نتيجة وجود قتيل، لكن في الحقيقة كلا الطرفين متساويان في نفس الجرم وكلاهما كان حريصاً على قتل صاحبه، ما يعني أن كلاهما بنفس الدرجة؛ وحين يتم إعدامه قصاصاً أجد أن هناك مسألة دقيقة تستوجب قراءة الحدث بشكل أعمق مما يجري اليوم فقد يكون من الظلم إلحاق القاتل بالمقتول نتيجة مشاجرة كان كلا الطرفين متساويان في الجرم والحرص على قتل الآخر.
في الغالب تحل مثل هذه القضايا بالدية أو شروط العفو المجحفة والباهظة في الغلو والمكابرة بمبالغ مالية أو سلب أملاك وأحياناً بإجلاء عن مدن أو مناطق في الوطن بمعاني لا تليق بالسمو العربي والإسلامي، تزرع مزيداً من الحقد والضغينة التي ربما تتوارث عبر أجيال ناهيك عن وضاعة الفدى المادي المطلوب والذي لا يليق بسمو النفس البشرية، وهذا الأمر منتشر بشكل ظاهرة في مجتمعنا نطمح للتخلص منه والترفع عنه، ولن يتم ذلك إلا بإعادة تقنين عقوبة الإعدام.
ومن الحالات الأخرى التي أرى أنها تحتاج إلى مراجعة وإعادة قراءة تلك التي يداهمك في غرفة نومك أو حتى في الطريق معتد أحمق بغرض السرقة أو أي عمل إجرامي بقوة لا تستطيع مواجهتها إلا بالسلاح وقد تصبح قاتلاً بغير إرادتك أو اختيارك ولكن بفضل من الله ثم نزاهة قضائنا لم أسمع عن حالة إعدام للمدافع عن نفسه في بيته أو عرضه من اعتداء مثل هذا لكن تتم العقوبة «أحياناً» بالحبس لمدد طويلة وأحياناً طلب دية للقتيل وفي هذا شيء من اللبس الذي يستحق إعادة النظر والقراءة بشكل أعمق.
عقوبة الإعدام جزاء عادل لحماية المجتمع والنفوس المطمئنة من شر النفوس والعقول المنحرفة، ومعمول بها في أغلب دول العالم بمختلف الشرائع والقوانين الوضعية.. وبقاؤها واستمرارها فيه حياة لأولي الألباب كرادع وزاجر لكل من تسول له نفسه المريضة بالإخلال بأمن واستقرار الناس وتعطيل ديمومة الحياة والعمل، لكن تقنينها وإعادة توسيع الفهم في باطنها ومضامينها توجيه سامٍ وراقٍ وحضاري يسنده قوة في السيطرة والتحكم في إدارة السلوك الاجتماعي والأخذ به نحو فضاء أكثر سعةً في الردع والزجر.
لقد جاءت إشارة سمو ولي العهد في التوجه لمراجعة حالات الإعدام وتقنينها مع عدم إلغائها لتدفع بالطمأنينة والأمن في النفوس بقوة أكبر، فهذه الأمور كانت من المسكوت عنه وغير القابل للنقاش وطرح الآراء حوله بحجة شرعية الأحكام وقدسيتها إلا أننا وفي عصر التصحيح نتجرأ اليوم على طرح مثل هذه القضايا للبحث والقراءة بحثاً عن مزيد من التقنين وتحري الصواب.