«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
في الماضي كانت مهنة «الدلالة» محدودة الفاعلية والنشاط وكانت محصورة كما شاهدتها وأنا صغير من خلال «الدلال» والذي كان يتجول داخل سوق القيصرية حاملاً معه البضاعة التي يريد تسويقها على رواد السوق أو حتى على أصحاب الحوانيت والدكاكين المنتشرة داخل أروقة سوق القيصرية في الهفوف أو مدينة المبرز. كذلك تجد «الدلال» بين المتسوّقين ورواد الأسواق الشعبية اليومية الأسبوعية في سوق الخميس والجمعة والسبت... إلخ ومع الأيام وانتشار أماكن للحراج كما هو الحال في أسواق الحراج في الرياض «سوق بن قاسم» أو سوق الصواريخ في جدة أو حتى سوق الحراج بالأحساء والدمام. وبقية الأسواق في مختلف مدن المملكة.. تجد من يقوم بهذا العمل «الدلالة» يردد وهو يتجول حاملاً بضاعته في يده أو يضعها أمامه مردداً: «كم نقول» حراج واحد حراج اثنين وهكذا إلى أن يصل للسعر الذي يقف عند حده.
وكانت بعض البضائع تسلّم مبكراً لهذا الدلال من قبل بعض أصحاب الحوانيت الذين بتفقون معهم في تسويق بعض بضائعهم التي يريدون سرعة بيعها مع منح هذا «الدلال» نسبة من قبمة بيعها. وهناك من يطلق على هذه النسبة (العمولة أو العشاء ومع تطور الحياة والتقدم في بلادنا وغيرها بات البعض يسميها بـ«الكومسيون» ولقد حققت «الدلالة» لأصحابها ثروات طائلة، بل وصلت إلى عمولات بالملايين.
وبات من يمارسها من خلال المزادات والعروض والتسويق الكبير من أصحاب المليارات.. وفي العديد من دول العالم. وفي الماضي كانت عملية «الدلالة» مثل الكثير من المهن تتوارث أباً عن جد. لكن مع التقدم والتطور باتت هذه «الدلالة» علماً يدرس في كليات الاقتصاد، حيث يدرس الطلاب فيها فنون التسويق المختلفة.
ويمنح عادة خريجوها أعلى الشهادات في هذا المجال.. وإذا كان في الماضي «الدلال» يتجول داخل أروقة «القيصريات» و»البازرات» والأسواق القديمة أو حتى يتجول في الأحياء وفي الحارات والفرجان وبين البيوت. فهو اليوم يقوم بعملية التسويق والدلالة داخل مكاتب الشركات والمؤسسات عبر أجهزة الكمبيوتر وهو يعرض آخر ما لديه من بضائع مختلفة، بل باتت عملية «الدلالة « والتسويق لها شركاتها ومواقعها عبر الشبكة العنكبوتية والتي أثرت مع التقنية اللهم لا حسد.. ولكن ما زالت في الذاكرة أصوات «الدلال» وهو يصرخ بأعلى صوته أو عبر المايكرفون: كم نقول.
من له خاطر.. من يسوم وهكذا.. والجميل أن بعض أصحاب هذه المهنة كانوا يتسمون بالصدق والأمانة فهم لا يعرضون بضاعة فاسدة أو فيها غش وتدليس. أكان ذلك في الأسواق التجارية. أو الأسواق الشعبية. أو أسواق الأنعام من أغنام وماعز وجمال وحتى أسواق الخضار.
كانوا مضرب الأمثال في الصدق والأمانة مما جعل بعضهم يحقق له مكانة في الأسواق.