عبد الله باخشوين
استلقيت أمامها في غرفة التصوير (الشعاعي)، بدا لي أنها أصغر من أصغر أبنائي، وضعت العين التي تلتقط (الصور المقطعية) على بطني وهي تقول:
- اتحملني شوية ياعمي يمكن أتعبك معايا، خذ نفسا عميقا واكتم؟!
و؟؟؟ كتمت نفسي كما لو أني أحبس في صدري دخان كل (السجاير) التي دخنتها منذ كنت في الثالثة عشرة حتى هذه اللحظة.
عندما نظرت إليها كانت تحدق في الشاشة أمامها لترى حجم الضرر الذي أحدثه لنفسي عبر تلك السنين؟؟ قالت:
- خلاص اتنفس طبيعي؟!
أخذت أعيد ترتيب ملابسي وأتمتم شاكرا.. كانت تعطيني ظهرها متشاغلة بالعمل في جهاز آخر.. وهي تحاول الرد على كلامي.
لف رأسي صداع مباغت كالدوار؟؟ وبدوت لنفسي أكثر ضعفا مما كنت أظن.
حبست آهة كادت تنطلق.
سمعتها تقول كأنها تمنعني من السؤال عما رأت:
- خلاص ياعمي.. تلقى النتيجة عند الدكتور؟!
داعبتها بسخرية قائلا:
- باين عليكي زعلانة.. أكيد ما شفتي شيء يفرح؟!
استدارت مندهشة وقالت باستنكار:
- أستغفر الله.. انته بخير يا عمي؟!
وفي عينيها رأيت غلافا زجاجيا كالدموع.. ضحكت مهونا الأمر وأنا أقول:
- شفتي كيف خوفتك؟!
احتجت شاكية:
- أيوه يا عمي، لأن طريقة كلامك فيها (تريقة)!!
قلت مهوناً الأمر:
- لأني عارف اللي سويته في نفسي.. لو تعرفي اللي سويته في الشايب اللي قدامك كان تزعلي مني مو تزعلي عليا
اتسعت عيناها بدهشة وهي تقول:
- يا سبحان الله!! كأن بابا هو اللي قاعد يتكلم!!
أضافت وهي تبتسم مستغربة:
- لما جا بابا هنا زميلاتي سووا كل شيء.. بعد ماحلفهم أني ما أشوف حاجة ولا يقولولي اش شافوا.. حتى الدكتور اللي عالجه
لما سألته قال (هذي أسرار مرضاي ما نقولها لأحد).
وفي البيت راضاني بكلام أقنعني؟؟ قلي:- (ما أحب أشوف نفسي في عينك على أني مريض، أبغى صحبتنا تفضل زي ماهيا)
حاولت أن أفسر لها الحالة فقلت:
- أنا أمي ..كانت تفهم في الطب الشعبي وتعالج عيال الحارة كلهم إلا إحنا كانت تخلي أبويا يودينا للدكتور وتمشي على علاجه
بعدين فهمت السبب.
كانت تخاف أن واحد مننا يكون مرضه ما يعجبها... وتنجبر تتعامل معاه طول عمرها على أنه مريض.
تبغانا نبان في عينها دايما أصحاء وأقوياء
كما لو أن شرط المحبة عندها هو القوة.. وشرط الشفقة هو الضعف!!
الشفقة هي السوسة أو الدودة اللي تاكل المحبة في نفس الإنسان.. وتزرع بدالها الألم؟!!!