د. جاسر الحربش
هذه الحلقة الثانية من المقارنة كتبت بعد اختتام قمة الظهران التي توّجت بمسمى قمة القدس، وأكدت إدراك القيادات المشاركة لمهمة التصدي للتوسع الأجنبي على الأراضي العربية، باعتبار المشروعين الصهيوني والفارسي كليهما يمثلان نفس الخطر على الحاضر والمستقبل العربي.
قد يكون في قرارات وتوصيات قمة القدس ما يغني عن الرد على المقال الذي نشرته جريدة الرياض قبل انعقاد القمة وأتى مقالي هذا رداً عليه، لكن الهدف هو مخاطبة تلك العقليات المتقبلة والمروجة للتعايش مع مغتصب، وكيف يستطيع الإنسان الكريم التعايش مع مغتصبه والتعامل الطبيعي معه؟
ننتقل الآن إلى النقطة الثالثة التي وردت تسلسلاً في حلقة المقال الأولى:
3- يتحدث الكاتب عن الأيديولوجيا الإيرانية مقدماً إياها في الخطورة والعمق والقدرات على الأيديولوجيا الصهيونية المتغلغلة في مفاصل العالم، وكأن المشروع الصهيوني في أهداف التمدد والهيمنة والنفوذ أضعف من المشروع الفارسي. هنا أقول لا تعليق والتفصيل فيه سوف يرد في الحلقة الثالثة.
4- حدد الكاتب خياراً واحداً لا بديل عنه للعرب وهو المصالحة مع إسرائيل وتوقيع اتفاقية سلام شاملة. الكاتب الشاب لا يعرف المعنى المبطن في مطالب السياسة الإسرائيلية التي تقول: السلام مقابل الأرض وليس السلام مقابل السلام. أما أي أرض يعنون فذلك ما هو مخفي في الأضابير التلمودية منذ القدم.
5- التفرغ لمواجهة المشروع الإيراني وبرنامجه النووي: يستعمل الكاتب كلمة التفرغ بأريحية وبساطة، وكأن المشروع الصهيوني بالمقارنة لا يمتلك برنامجاً نووياً منذ خمسين سنة. إذن أبشر بطول ندامة يا مربع، فالمشروع الصهيوني ينتظر هذا التفرغ العربي للتدمير المتبادل بين العرب وإيران لتخلو للمشروع الصهيوني الساحة.
6- يفترض الكاتب أن التفرغ مطلوب لوضع حد للتدخلات الإيرانية. ألا يفهم هذا الكاتب أن التدخل الإيراني حصل كزائدة دودية نتنة التصقت طفيلياً بالغزو الأمريكي اليهودي للعراق وبالوجود الروسي في سوريا وبالتعاون حسب الظروف مع تركيا؟ ولولا ذلك لسقطت الزائدة الإيرانية وتفتت، وربما لما حصلت من الأساس. ما هي إلا سنوات قليلة ويتكفل عرب العراق وسوريا باجتثاث التدخل الإيراني، والبوادر تلوح في الأفق.
7- يقول المقال إن خيار التفرغ لإيران والتصالح مع إسرائيل خيار لا يقبل تبريراً أو تأخيراً أو حتى مساومات أو مزايدات. أقول إن هذا استسلام غير مشروط، لكنه -بحمد الله- غير موجود في السياسة السعودية التي راهنت دائماً على الصبر والحسابات الدقيقة واختيار الوقت المناسب.
8- واختتم الكاتب بالبالون الأضخم عن أن قمة الظهران ستكون بداية الإعلان (هكذا) عن الموقف العربي الموصوف تجاه إيران وإسرائيل. إن هذا الزعم تم دحضه من أول جلسة افتتاحية في قمة الظهران من خلال كلمة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-.
يبقى السؤال الموجه للكاتب، من أين له كل هذه المزاعم أصلحه الله؟!