د.عبدالله بن موسى الطاير
الأكاديمي الأمريكي جورج فريدمان. يقول إن «الجغرافيا السياسية تمثل مفهوم اليد غير المرئية لسلوك الأمم والفاعلين الدوليين الآخرين»... و»تؤدي على الأقل إلى سلوك يمكن توقعه بما يمكننا معه توقع شكل مستقبل النظام الدولي». وهذه المقدمة تأخذنا إلى تطور خطير وتاريخي في سلوك كوريا الشمالية أعلن صباح السبت 21 أبريل الجاري.
الرئيس الأمريكي غرد قبل أيام على حسابه في تويتر بأن «مايك بومبيو التقى كيم جونغ أون في كوريا الشمالية الأسبوع الماضي، والاجتماع كان سلسا للغاية، وأسفر عن تشكيل علاقة جيدة»، وبومبيو هو رئيس CIA والمرشح للخارجية. كما حصل اتصال هاتفي بين كيم جونغ أون والرئيس ترامب الذي سيكون أول رئيس أمريكي يلتقي رئيس كوريا الشمالية. مباشرة إعلن كيم جونغ أون في بيان رسمي أن «بلاده لم تعد بحاجة إلى إجراء تجارب نووية أو تجارب لإطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات لأنها استكملت التسلح النووي». الاهتمام الأمريكي بكوريا الشمالية وتبدل لغة الخطاب بين هجوم متبادل وأزرار نووية حمراء على طاولتي الرئيس الأمريكية والكوري الشمالي وتخلي كوريا الشمالية عن تجاربها النووية وتدمير بعض مواقعها تماما كما فعل العقيد القذافي يشير إلى أن أمريكا بانتظار قطف ثمار انتظرتها منذ عام 1946م عندما بدأ الطيف الاشتراكي يتشكل على يد الاتحاد السوفيتي في الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الكورية التي أصبحت دولة بعد الحرب الكورية عام 1953م. لطالما حرصت روسيا والصين على حياة الجدار الذي يفصلهما عن النفوذ الأمريكي المجاور، فالصين وروسيا الدولتان الوحيدتان اللتان لهما حدود مع كوريا الشمالية. ونحن أمام قراءتان لهذا التطور الجيوسياسي الذي يمنح الولايات المتحدة التفوق على خصمين تقليديين هما الصين وروسيا. فإما أن الصين باتت مقتنعة بأن مكاسبها الاقتصادية مع الولايات المتحدة أبقى وأدوم وأنها ليست في حاجة إلى القفز نحو المجهول في المنافسة على نفوذ سياسي وعسكري وبذلك قدمت كوريا الشمالية قربانا لحسن النوايا على حساب روسيا. وإما أن ما حدث هو نتيجة فعل جماعي مارس الضغوط من عدة محاور على بيونغ يانغ بحسب رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشيف الذي أشار إلى أن هذا التطور تحقق بسبب الإجراءات الجماعية «بما في ذلك الحفاظ على قنوات الحوار بين روسيا والصين مع بيونغ يانغ»، وبقدر ما يرحب كوساتشيف بالبيان الكوري الشمالي فإنه يبدي عدم الارتياح باشتراطه على أمريكا سلوكيات معينة لم تطالب بها كوريا الشمالية ذاتها.
أميركا - حسب فريدمان - تعيش مراهقة ممتدة، في «صغيرة السن ولهذا فهي مجتمع غير ناضج، وهو التوصيف الذي يراه مسوغا للقول إن أميركا في مرحلة مبكرة من قوتها ولم تكمل تحضرها وأنها مثل أوروبا في القرن السادس عشر ما زالت بربرية» وبذلك فإن روسيا والصين عليهما أن يخشيا من هذا النصر الأمريكي الذي يضيف عتبة جديدة في سلم القوة الأمريكية. معظم التوقعات التي كتب عنها فريدمان عام 2009م تكاد تتحقق، فقد أشار إلى أن الفترة التي أعقبت سبتمبر 2001م كانت لتسوية اختلالات ما بعد الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي كما أن فشل أمريكا في معركتها في مكافحة الإرهاب لن يعني سوى حالة عابرة كفيتنام وأن أمريكا لن تعطي لهذا التوتر مع العالم الإسلامي أبعد من عام 2020م حين تواجه بعد ذلك تحديات من نوع مختلف وتتراجع هذه البقعة من العالم في سلم أولوياتها. يجب النظر إلى أن أي تطور حقيقي في كوريا الشمالية سوف يعزز النفوذ الأمريكي في خاصرتي روسيا والصين، وسوف يقوي من موقف كوريا الجنوبية واليابان التي لديها خلافات حدودية وثارات تاريخية مع كل من روسيا والصين، كما أن انفتاح كوريا الشمالية على المشروع الاقتصادي الأمريكية سيعني فقدان روسيا والصين لخط الدفاع الأول الذي كان يفصلهما عن النموذج الأمريكي المجاور. مازال الوقت مبكرا لتوقع مآلات القمة الكورية الشمالية الأمريكية، ولكن لا يجب على صناع القرار السياسي في منطقتنا العربية تحديدا تجاهل انعكاسات وتبعات الموقف الكوري الشمالي «المفاجئ» وما إذا كان يمكن أن ينسحب بين عشية وضحاها على إيران.