عمر إبراهيم الرشيد
هناك أفلام عالمية، هي من الجودة والإبهار بما يؤدي إلى أن يتسمر أمامها المشاهد حد الاندماج والشعور بأنه يعيش أحداثها. وكما نعلم، فالسينما الأمريكية تحديدًا لا يعتمد تميزها على الجانب التقني والفني فحسب، إنما على توليفة متكاملة من القصة، الحبكة (السيناريو)، الممثلين والإخراج، إضافة إلى الإمكانات التقنية الهائلة. ودون شك، ليس كل ما ينتج هناك متميزًا وناجحًا، أو هو بالضرورة يلائم باقي المجتمعات حول العالم.
فيلم (الشعيرة)، مفردة شعائر أو طقوس تعبدية، من بطولة الممثل العالمي الشهير أنتوني هوبكنز الذي يقنع المشاهد بأنه لا يمثل، إذ يتملكه شعور بأنه أمام رجل يعيش دورًا واقعيًّا وأحداثًا من نسج الحقيقة لا الخيال، وبالطبع، هو نجم مسرحي عالمي، أليس المسرح أب الفنون؟ وتتمحور فكرة الفيلم حول الدين، تلك المسألة الأزلية التي توارت لدى السواد الأعظم من الغربيين والمجتمعات العلمانية، ثم عادت أو هي طفت على سطح بحر هذه الحضارة؛ إما بتأثير الأحداث العالمية الأخيرة، أو نتيجة حيرة الشخصية الغربية، وبحثها عن أسئلة جوهرية تواجهها بين الحين والآخر.
يحكي الفيلم قصة شاب، يدخل كلية للدراسات الكهنوتية وهو محمَّل بالشك، فينتقل من أمريكا إلى إيطاليا لاستكمال دراسته، ويلتقي القساوسة هناك، ويحدث أن يشهد مع أحد القساوسة (أنتوني هوبكنز) قيامه بمحاولة إخراج أحد الجان، واسمه (بعل)! ومع محاولة هذا الشاب إقناع القس بأن المريضة ليست ممسوسة، وإنما تعاني مرضًا نفسيًّا، وبعد فشل تلك الممارسة، ووفاة المريضة متأثرة بإصابتها، تزداد حيرة الشاب مايكل وشكوكه.
لن أسرد بقية أحداث الفيلم لأني لست بصدد نقد فني أو سينمائي، وحتى لا أفسد على من ينوي مشاهدته؛ إنما قصدت الاستشهاد بهذا الفيلم للحديث عن أن المجتمع الأمريكي والغربي عمومًا يمرر من خلال بعض أفلامه ورواياته ما ينزوي في عقله (اللاواعي)، أو ما هو مختبئ في زوايا وعيه المظلمة، إما إهمالاً أو إنكارًا.
أولى تلك المسائل الجوهرية هي المسألة الدينية، وموقفه من الكنيسة وما يتعلق بها من قساوسة ورهبان وشعائر. ثانيها -وهي الأبرز في الفيلم- مسألة تلبُّس الجان للإنسان. ونعلم أن هذه محل خلاف حتى لدى علماء المسلمين، ولا شك أنها كذلك حتى لدى المسيحيين وغيرهم. الفيلم يخاطب عقل المشاهد. وهذه أبرز مزاياه. وبالنسبة لنا يمنحنا نافذة نطلع منها على ما يعتمل في التفكير الجمعي الغربي حيال مسائل جوهرية، ولتساعد من يفتح حوارًا أو نقاشًا يومًا ما مع أحد أفراد تلك المجتمعات لتكوين أفكار ومفاهيم جيدة، تدعم حجته، ويصبح الحوار بها حضاريًّا، وأكثر ثراء.
أفلام كهذه - في نظري الشخصي - هي ما ينبغي الحرص على عرضها لدينا مع عودة دور السينما في المملكة، إنما لا بد من توضيح خلفيتها الفكرية أو الثقافية للنشء والشباب حتى لا يساء فهمها أو تفسير عرضها، مع استحضار الخلفية الإسلامية في القرآن الكريم والسنة الشريفة، إلى جانب الأفلام المستمدة من أعمال أدبية وإنسانية كلاسيكية. إلى اللقاء بمشيئة الرحمن.