سام الغُباري
فقأ «حمود عباد» عينَي صغيره «علي»، وثبَّت مكانهما رصاصتَين! أرسل أصغر أنجاله إلى البيضاء ليقتل اليمنيين، فعادت بطاقته الشخصية فقط! قتل ابنه بيديه كما يفعل كل الحوثيين في اليمن.
لن ينتصر الحوثيون. هذا الأمر أصبح واضحًا كالشمس، لهم ولنا وللعالم أجمع. لن يجدوا متسعًا من الوقت لهزيمتنا ولا مددًا من الرجال. عليهم أن يقاتلونا بعيالهم هذه المرة، وسيخسرونهم، ويعلو النواح حتى تنقرض أصولهم المزورة، وتختفي لعنة العرق المغرور إلى الأبد.
بعد شهرين من اليوم كان على «حمود عباد» أن يحتفل بنجله في صالة عرس، يبتسم، ويلتقط الصور، ويزف نجله الوسيم إلى زوجه الشهباء. برصاصة واحدة تحول العرس إلى مأتم، والصالة إلى سرادق عزاء. وأد «حمود عباد» الغاصب لمنصب «أمين العاصمة» ابنه في تبة صغيرة على حدود منطقة قانية الملتهبة سعيرًا، والقاذفة حممها على فتية الحوثي الآثمين.
في حكاية من الداخل، وراء أسوار المنزل، تنوح «أم علي» على وليدها الذي أرضعته كراهية اليمنيين، وعلمته الشر، وجعلته مغرورًا؛ يرى نفسه أعلى شأنًا من بقية الناس، دفعته بيديها إلى القتال.. أهلكته كشيطانة، تشعر أنها خُلقت من نار. والدها علمها ذلك؛ نفخ في جوفها أحقاد ألف عام حتى انتفخت مثل تنين، ومضى إلى قبره آثمًا، فجاءه سبطه يبكي وفي قلبه رصاصة مقاوم شرس، وفي فمه سؤال ودم. كان الجد في الجحيم، والفتى حائر على باب جهنم، مخدوعًا وأسيرًا بضلالات عائلته، أضحية ذُبحت في شهر رجب الحرام، والجنة بعيدة عنه، كلما اقترب إليها ابتعدت. كأنه حلم رجل قرر أن يترك القات فجأة! تطارده كوابيسه، ويدنو منه العذاب فلا يفر ولا يستيقظ؛ لأنه مات.
في الردهة الأخرى من المنزل يغلق «حمود عباد» الباب على نفسه حزينًا كأي أب نالته الفاجعة أخيرًا - وما كنت أتمنى له أن ينالها أبدًا -. يطرق الحوثيون باب منزله فلا يجيب، يأتيه وكلاؤه ومنافقوه فلا يبتسم. يموت ببطء كرجل ضخم الجثة، يتآكل في داخله وإن ادعى دون ذلك. بقي معه ثلاثة: محمد، مطهر وسجاد. هم أصدقائي؛ أكلت في منزلهم، وضحكت معهم، ورأيتهم بشرًا مثلنا، ومثلهم والدهم الذي أبهرني بجرأته وثقافته وقوته، وأفجعني بجحوده وتبرُّئه وخيانته. علمت أنه حشد على الرئيس السابق من بيوت الحوثيين في ذمار، وأرسلهم إلى كل زاوية في صنعاء؛ ليقتلوا رئيسه؛ فكوفئ بأمانة العاصمة. في تلك الليلة صرخ «صالح» موجوعًا: حتى أنت يا حمود!
قال أحدهم إن «السلطة تقتل الرئيس». هذا لم يكن أقرب إلى الحقيقة يومًا مثلما كان لـ»علي عبدالله صالح» الذي قُتل في أكثر اللحظات الرهيبة من تاريخ بلدنا، قتله «وزراؤه السابقون»، وخاصته ممن أحبهم ولم يحبوه. كان حكم إعدام علنيًّا بشعًا من أجل بقايا سلطة وقحة، يمثلها عرقيون مختطفون من آدميتهم.. ولأجل ذلك وأكثر قاتلناكم، المعلمون والجراحون والسباكون والمعوقون والباعة الجائلون، تخلى سائق سيارة الأجرة عن مهنته ليشتري سلاحًا يدافع به عن مدينته وقريته.. هؤلاء الناس الفقراء الذين لا يستطيعون تحمُّل أعباء حياتهم وافقوا على الانخراط في قتال الحوثية المغرورة. هل سأل «حمود عباد» نفسه: لماذا؟ لأنهم يهتمون؛ لأنهم يريدون معرفة الحقيقة، واستعادة بلدهم الذي ينتمي إليهم؛ لأنه البلد الذي وُلدوا فيه، وهو البلد الذي يريدون أن يموتوا بداخله مهما كلف الأمر؛ لأن لديهم الشجاعة للقتال من أجل قضاياهم التي يؤمنون بها، ولم يسألوا عما فعلته بلادهم لهم؛ فقد قرروا أن يقدموا كل شيء من أجل وطنهم، وأن لا يخونوا رئيسهم.
استبدل «حمود عباد» ابنه ببطاقة ورقية، كتب عليها: «أمين العاصمة، هذا ما حدث يوم أمس الأول».
* * *
أتُرى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟
هي أشياء لا تُشترى