لبنى الخميس
ماذا يعني أن تكسر مفهوم الزيارات الدولية النمطية؟ ماذا يعني أن تخلع رداء البروتوكولات وترتدي ثوب الإنجاز والديناميكية؟ ماذا يعني أن تستقبلك ألمع العقول في العالم إيماناً برؤيتك وجاهزية شعبك؟ ماذا يعني أن تستيقظ كل صباح على غلاف جديد.. اتفاقية جديدة.. ولقاءات فريدة مع قادة الفكر والإعلام والتأثير؟ ماذا يعني أن تتحالف مع المستقبل؟ وتقابل صانعيه؟ وتصافح مبتكريه؟
انتهت قبل أسابيع قليلة مراسم زيارة استثنائية وغير عادية لصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تشير مجلة «التايم» إلى أن أمريكا لم تعرف زيارة مثلها منذ زيارة نيكيتا خروتشوف، الزعيم السوفييتي في عام 1959 الذي دار الولايات المتحدة في 13 يوماً. في حين زار الأمير محمد في 21 يوماً 6 ولايات، والتقى 4 رؤساء أمريكيين، واجتمع مع أكثر من 5 صحف، وقابل أكثر من 120 قائد في مجالات متعددة منها الطيران والتكنولوجيا المتقدِّمة والإعلام.
استقبال شعبي غير عادي لهذه الزيارة، واحتفاء وطني يعكس عطش أجيال كاملة لقيادة شابة طموحة استلهمت حنكة وحكمة الكبار، واستمدت طموح وطاقة الشباب؛ أبعاد هذه الجولة كانت مختلفة في نفس كل مواطن سعودي، فالبعض تفاءل بانعكاساتها المستقبلية على تنمية الاقتصاد المحلي على المدى المتوسط والبعيد من خلال إبرام العديد من الشراكات الاقتصادية النوعية مع الشركات العالمية الرائدة في أمريكا، والبعض اعتبرها إضافةً إلى ذلك تأكيد على متانة العلاقات السعودية الأمريكية بعد الركود الذي أصابها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وشخصياً كمهتمة وشغوفة في مجال الإعلام، أرى بأنها كانت قفزة نوعية في تحديث وتطوير فصل مهمل من الحكاية السعودية، وهو القوة الناعمة للمملكة التي كانت في سبات عميق امتد لفترة طويلة.
فلا يخفى على أحد بأن السعودية ولعقود طويلة عانت من صورة ذهنية سلبية، أحد أهم مسبباتها هو ضعف غرفة العمليات الإعلامية المحلية، في وجه التهم المتعدِّدة التي لطالما ألصقت بالمملكة مثل التطرف الفكري، عدم إنصاف المرأة، وعدم تحدث لغة تنموية أو اقتصادية غير النفط، حتى عُرفت بلادنا بأنها بئر بترول العالم أو محطة بنزين كوكب الأرض، في حين تسابقت دول أخرى للحصول على ألقاب أكثر جاذبية وحداثة مثل: مختبر الابتكار العالمي، نقطة اتصال الشرق بالغرب، محضن الحضارة الإنسانية وغيرها.
وقد كانت سرعة التغيير الحلزونية التي كانت في ذلك الوقت، وتنازع التيارات الفكرية في السعودية على قضايا بديهية ليست محل خلاف في أغلب دول العالم، مغذياً لهذا التدفق المخيف في تشويه الصورة الذهنية للمملكة والتشكيك في جدية نواياها للتغيير، الأمر الذي يعني بأن ماكينة الإصلاح والعقل الاستثنائي الذي سيعيد كتابة التاريخ ورسم الصورة الذهنية الجديدة للسعودية يجب أن يكون شجاعاً وصادماً، بل وصادقاً في وعوده وتتابع أخبار إصلاحاته، والأهم أن يعرف و(يرى) العالم صورة رمز جديد يربطه ذهنياً بملامح التغيير فكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بطل أخبار هذا التحول المثير.
زيارة الأمير لجامعتي (هارفرد وأم آي تي) وميادين التكنولوجيا والبيانات الضخمة (آبل وغوغل) وعوالم الإنتاج وصناعة السينما (مقابلة رؤساء وارنر بروذرز ووالت ديزني) هو انعكاس لشخصية الأمير الديناميكية المدركة لقوة منابع التأثير الأمريكي، وامتداد أثرها على العالم في مجالات التعليم والبحث العلمي وتأتي لتؤكّد أن السعودية منفتحة بالفعل نحو الاستفادة من التجارب العالمية الملهمة، وعقد اتفاقيات ضخمة مع الشركاء العالميين وفِي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية في عدة مجالات إبداعية، فالقوة تجذب القوة، والعزيمة الجادة للتغيير والتأثير تلهم القادرين على ذلك.
واليوم بعد مرور عامين على إطلاق المشروع الشامل رؤية المملكة (2030) بآمالها وطموحاتها الكبيرة تعيش السعودية حالة استثنائية ومفصلية هي الأولى من نوعها في تاريخها الحديث، وهي أقرب من أي وقت مضى لتقديم مفردات جديدة لقصتها، وترسيخ ملامح صورتها، وصياغة خطابها إلى العالم. ولأجل تحقيق ذلك، وللحفاظ على المكتسبات التي حققت مؤخراً من جراء الإصلاحات الكبيرة التي حدثت في العديد من القضايا التي كانت مُعلّقة، فقد يكون الوقت مناسب لإنشاء كيان إعلامي يعمل وفق إستراتيجية وحوكمة واضحة ومقاييس ومؤشرات أداء دقيقة، بحيث يرسم خطط فعّالة واستباقية للتعامل مع الموضوعات المفصلية التي قد تطرح مستقبلاً في الإعلام العالمي ولا يكتفي برصدها فقط، والتي قد تقلّص أثر العديد من الجهود والإصلاحات التي بُذلت لتحسين الصورة الذهنية النمطية للمملكة، فالإعلام الدولي والملايين حوله من مشاهدين ومستقبلين، متعطشين لمعرفة تتمة الحكاية السعودية، والكشف عن بقية فصولها، ما يجعل كتابتها بحنكة وبأقل قدر من الأخطاء مطلباً وطنياً ملحاً.
أخيراً، الصورة الذهنية للأمم لم تعد علماً ونشيداً وطنياً ونصباً تذكارية، بل باتت تمتد لتشمل رموزها الوطنية، وعلاماتها التجارية، وقصتها مع النمو والازدهار، والأهم من ذلك هو قائد مسيرتها الذي يحمل معه أحلام شعبه ومكتسبات وطنه.